تؤكد مصادر سياسية بارزة أن عودة النشاط السياسي اليوم، بانتهاء عطلة عيد الفطر، سيفتح الباب على استكمال المداولات السياسية في شأن الاستحقاق الحكومي، على ضوء المستجدات في مواقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومبادرة زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط بطرح خيار الحكومة الحيادية، لكن هذا لا يعني أن هذه المداولات قد تصل إلى نتائج قريبة في هذا الصدد، في ظل بقاء «قوى 8 آذار» و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون على رفضها لهذا الخيار وتمسكها بمبدأ تمثيل الفرقاء الحزبيين في شكل مباشر ووفقاً لأحجامها في المجلس النيابي. وترى هذه المصادر المتعددة، ومنها شخصيات تؤيد خيار الحكومة الحيادية، أن الاندفاعة التي شهدها هذا الخيار منذ كلام سليمان في 1 آب (أغسطس)، لا يعني أن هناك اختراقاً سريعاً يمكن أن يتحقق لإنهاء الفراغ الحكومي، على رغم أنه يتيح استكشاف مواقف الفرقاء من هذا الخيار وإجراء اتصالات على أساسه. ومن الأسباب الإضافية لاستمهال السير بهذا الخيار تأكيد العماد عون أول من أمس أن «حكومة التكنوقراط أو الأمر الواقع تقود البلاد إلى الخراب». شروط الحيادية وترى المصادر أيضاً أن الحكومة الحيادية تحتاج إلى جملة شروط منها أخذ الوقت لإنضاج اللجوء إليها في العلاقة مع «قوى 8 آذار»، إذا كان المبرر الأساسي له هو رفض الرئيس سليمان تسليم سلطاته إلى الحكومة الحالية المستقيلة مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، الذي ما زال أمامه بضعة أشهر قبل استنفاد الاتصالات في شأن حكومة يتمثل فيها الفرقاء مباشرة، هذا فضلاً عن الحاجة إلى أن يكون الوزراء الحياديون هؤلاء من نوعية كفوءة، وضمان عدم حصول رد فعل سلبي عليهم من القوى المعارضة لها. وفي وقت يراهن بعض مؤيدي هذا الخيار على أن تدفع حال الاهتراء التي يعيشها البلد على الأصعدة كافة بفعل استمرار الفراغ الحكومي، «قوى في 8 آذار» و «حزب الله»، إلى القبول في النهاية بصيغة الحريري تقديم التنازلات المتبادلة بعدم الاشتراك في الحكومة المقبلة طالما أن التباعد ما زال كبيراً حول الموقف من الأزمة السورية، فإن من يراهنون على ذلك يقولون إن على «حزب الله» أن يأخذ في الاعتبار أن سليمان، الذي يطرح هذا الخيار، هو الذي وقف ضد قرار الاتحاد الأوروبي تصنيف جناحه العسكري على خانة الإرهاب، ويفترض مبادلته الإيجابية. إلا أن المؤيدين لخيار الحيادية بمن فيهم بعض أطراف «قوى 14 آذار»، يرون أن هذا لا يكفي للجوء إلى تنفيذ هذا الخيار قبل ضمان نجاحه، كي لا يؤدي قيام الحكومة إلى حالة تصادمية تنعكس على الوضع الأمني في البلاد. وهذا ما يفسر ما تردد عن أن الرئيس الحريري كان مع الاستمهال في اعتماد هذا الخيار في سياق حرصه على الاستقرار الذي دفعه إلى تأكيد استعداده للحضور إلى الحوار متى قرر سليمان ذلك، نظراً إلى حرصه على عدم قطع شعرة معاوية مع «حزب الله» على رغم الخصومة الكبيرة بينهما. لكن الأوساط السياسية التي تؤيد التمهل في خيار الحكومة الحيادية، ترى أيضاً أن هناك استحقاقات أخرى تفرض جولة من الاتصالات حولها بموازاة جولات الاستكشاف حول الاستحقاق الحكومي، أبرزها المتعلقة بالدعوة الرابعة من قبل رئيس البرلمان نبيه بري إلى الجلسة النيابية التشريعية في 20 آب أي بعد 8 أيام، والتي كانت تأجلت 3 مرات بفعل الخلاف على جدول أعمالها الموسع، إذ اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنها تخل بتعاون السلطات في ظل حكومة مستقيلة بسبب وجود 45 بنداً على جدول الأعمال، ورأى أن التشريع في هذه الحال يقتصر على الضروري وأيده في ذلك فريق 14 آذار. الجلسة النيابية و«التيار الحر» وتقول هذه الأوساط إن الجلسات السابقة تأجلت لتعذر النصاب بفعل غياب نواب 14 آذار وفريق ميقاتي ونواب «التيار الوطني الحر» الذين كانوا اعترضوا على تضمين جدول الأعمال بند رفع سن التقاعد لكبار العسكريين بهدف التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. وتشير أوساط مقربة من الرئيس بري المصر على عدم تغيير أي حرف في جدول أعمال الجلسة النيابية قبل انعقادها، لأنه يعتبر أن المجلس سيد نفسه ويرفض أن يفرض عليه تعديل الجدول بتأثير من السلطة التنفيذية، أن نواب «التيار الحر» سيحضرون الجلسة المقبلة، ما يعني ضمان نصابها القانوني. لكن أوساط كتلة «المستقبل» ترى أن انعقاد الجلسة في ظل غياب نوابها، وغياب الرئيس ميقاتي يعني غياب المكون السنّي، ما يقود إلى اعتبار الجلسة غير ميثاقية، فهل يستمر الرئيس بري في عقدها، في وقت كان أحجم عن عقدها عند البحث في اقتراح قانون الانتخاب، إذا تغيّب النواب السنّة؟ وفي رأي هذه المصادر أن الأمر نفسه سيُطرح على كتلة نواب «جبهة النضال الوطني» برئاسة وليد جنبلاط الذي كان أيد بري في دعوته إلى الجلسة، فيما جنبلاط حريص على عدم كسر المكوّن السنّي، بقدر حرصه على علاقة التحالف والصداقة - مع الرئيس بري والمكون الشيعي. وإذ يقترض باتصالات الأسبوع الحالي أن توضح مصير الجلسة، فإن الأوساط السياسية والنيابية التي تنبه إلى الاستحقاقات النيابية الداهمة تشير في الوقت نفسه إلى استحقاق انتخاب أول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وهو على الأبواب، الذي يفرض أمرين: - انتخاب هيئة مكتب المجلس النيابي ورؤساء ومقرري اللجان النيابية، وإذ يميل الرئيس بري بحسب هذه الأوساط إلى الإبقاء على الأمور كما هي بالتجديد للوضع القائم طالما حصل تمديد للبرلمان 17 شهراً، ولتجنب حصول منافسات على خلفية الانقسام السياسي الحاصل في البلاد فإنها تشير إلى أن الأمر يحتاج إلى توافق يتطلب اتصالات ويحول دون التشكيك بقانونية أي خطوة. - التمديد للبرلمان لا يلغي مفعول المادة 44 من الدستور التي تنص على انتخاب رئيس ونائب له في كل مرة يجدد انتخاب أعضاء البرلمان. وفي رأي أصحاب وجهة النظر هذه أن هذا يطرح ما إذا كان يجب انتخاب رئيس للبرلمان بعد أن انتهت ولايته المحددة في قانون الانتخاب (4 سنوات). والتي مددت بقانون في 31 أيار (مايو) الماضي، أم إن التمديد يسري أيضاً على رئاسة البرلمان؟ وحسم الموقف من هذه القضية يحتاج أيضاً إلى توافق واتصالات بين مختلف الفرقاء، في وقت تعتبر أوساط الرئيس بري أن التمديد يسري على رئاسة المجلس أيضاً.