تعاني المدرسة لدينا تلقائية التقاليد السلوكية والأدبية حتى تداخلت كافة الممارسات، وغاب التمايز بين أدبيات التعلم وأدبيات النظام والقانون، وتقاليد الاتصال العام، والأخلاقيات الفردية والاجتماعية. ليس هناك تقنين نسبي لخطوات ونُظم تضبط هذه التقسيمات وتعمل على دعمها وتأصيلها لما يساعد على تحقيق مناخ خصب للممارسة العامة المنظمة داخل المؤسسات التعليمية أو في الفضاء العام. قيم ومبادئ كبيرة وكثيفة تحملها النصوص المقدسة والتراثية، وكذا التجربة الحضارية الإنسانية، لكنها تفتقد التقنين واللملمة الممنهجة في خطوات متأصلة في الذهن والمزاج لمصلحة دواخل البيئة والثقافة المدرسية، مما يشي بتناثر مهني يبتعد عن تكوين رؤية ووحدة فكرية أصيلة من ثقافة المجتمع تحافظ على الموروث، وتخلق طبعا يحمل الذوات على استقبال أعباء التعلم ومشاق التحصيل. حين تتشابه وتتوحد الممارسات والسلوكات الإنسانية لمجتمع ما، فإن هذا يقود في السياق العام إلى قدرة على إمكان الفهم والقبول بطبيعة الإنجاز والاهتمام المشترك، وأهمية التراكم والتبادل المعرفي. ولمؤسسة المدرسة القدرة أو التدَرب على تقنية تشكيل وصناعة هذا الفعل، فعل تطبيع تقاليد لطيفة تعزز ترسيخ قيمة أو قيم نبيلة، وهذا مثال أسوقه لتسلسل الترسيخ والخلق في خطوات علمية عميقة ومنطقية: ١- الرسالة الواضحة: صياغة إعلان مبرمج يحوي خطوات "تقاليد ممارسة السلوك الأنيق في التعامل مع زملاء الصف"، أو "خطوات النقاش والحوار الصفي"... في نقاط واضحة ودقيقة الصياغة بعد جهد من المشاركة الجماعية في العصف الذهني والصياغة للخطوات بقناعة جماعية. مثال: "تقاليد ممارسة السلوك الأنيق في التعامل مع زملاء الصف" - تجاهل الإساءة - ابتسم دائما - حاور بهدوء - استخدم فقط ألفاظا حسنة - استعمل يدك وجوارحك برفق وفي الخير - اهتم بمشاعر الآخرين. ٢- التكرار: ويكون بالإعلان الممنهج والدائم لهذه الرسالة، مستخدمين كافة التقنيات والأساليب في أرٓقّ وألطف وأذكى صورة حتى تألفها الحواس ويتشربها العقل اللاواعي لأنها ستكون مع التكرار الطويل والذكي جزءت من الشخصية بل طبيعة ثانية لها. ٣- الهالة: وهنا يأتي دور الترسيخ الكثيف عبر شخصيات ورموز - سياسي لامع ، ممثل مشهور، رياضي ذائع، مفكر قدير، عالم راسخ - تساهم في تأكيد الرسالة بحضورها وبثها المهيب في مناسبات ومواقف لا تنقصها الهالة والرهبة. ٤- العدوى: وهنا يأتي حصاد دور العناصر السابقة بما تفرزه من قناعة ووصول مؤكد يفضي تلقائيا إلى عدوى تسري في أعضاء الجسد المدرسي وربما خارجه، مما سيمنح التقاليد الجديدة تماهيا مع طبائع الأفراد وعلائق المؤسسة المدرسية ككيان له تقاليده الاجتماعية المستقلة والضاغطة على دواخل الأفراد وطبائعهم وممارساتهم. هذه خطوات عملية نجاحها في التتابع والتراكم المتسلسل، نتيجتها أن تُكسب الفرد في مؤسسته أخلاقا وعادات تربوية ذات صبغة مؤسسية نهضوية تعزز الفعل التنموي للوطن والمواطن، خصوصا إن واكبها فكر متجدد.