منذ عامين استأجر مزرعة في صفوى. استأجرها من مالك المزرعة مباشرة. صفوى مدينة تتبع محافظة القطيف في المنطقة الشرقية. عُرفت مدينة صفوى في التاريخ من خلال مسمّياتها القديمة «داروش، الصفا، صفوان، صفواء، الصفاء، صفصف «. وقيل إن تسميتها بداروش تسميةً فينيقية، لكن بعض الباحثين المعاصرين يُرجِعون هذه التسمية إلى الملك الفارسي داريوش (521 - 485 قبل الميلاد) حين نزلها، كما قيل. نرجع إلى المزرعة المستأجرة في صفوى. المزرعة كانت قبل استئجاره لها مهجورة خربة مهملة تتكاثر في أنحائها المخلفات وتتطاير هنا وهناك. بدأ المستأجر في استصلاح المزرعة الخربة، في إزالة ما بها من مخلفات؛ ناوياً تعميرها، حيث بدأ في حفر مجرى مائي يتجمع به الماء الفائض. حفر ما يزيد عن 30 متراً حينما ظهر له عظام ظنه في البدء عظام لحيوان، لكن، وبسبب كثّرة العظام التي عثر عليها أو ظهرت له وبدت جراء الحفر أخذ يدقق فيه بعد أن تولده شك في كون العظام لحيوان. سارع في إبلاغ الشرطة. بعد حضورهم.. بعد معاينتهم للمكان.. بعد فحصهم للعظام اتضح أنها عظام بشرية!!. مزرعة مهجورة.. خربة.. تكاثرت فيها المخلفات.. استئجارها قبل سنتين من بدء أعمال استصلاحه لها!! ومع بدء الأعمال عثر على العظام بقايا الجثث البشرية!!. المسح الميداني للمزرعة أو للمكان كشف عن عظام كثيرة لا تعود لجثة أو جثتين فقط !!. في البدء عثرت الجهات الأمنية، عندما قامت بالمسح، على جثتين لمقيمين آسيويين، ومع استمرار المسح والبحث ارتفعت أعداد الجثث التي عثروا عليها لخمس جثث بعد عثورهم على ثلاث جثث أخرى لمقيمين آسيويين أيضاً!!. لن نبحث عن القاتل، ولا عن دوافع القتل. لن نهتم لتفكيك شيفرة الجريمة أو محاولة العثور على خيوطها لدى مالك المزرعة أو بواسطة ما تم العثور عليه من ثبوتات وممتلكات للقتلى الخمسة. ما يعنينا هو المزرعة الخربة المهجورة أو المزارع الخربة المهجورة ليس في صفوى وحدها، وإنما في مدن ومحافظات المملكة. كم مزرعة خربة مهجورة بعيدة عن العمران أهملها صاحبها بالتالي لم يعد يأتيها أو يمر بها إما لكثرة الممتلكات لديه أو لقلّة ذات اليد التي لم تمكنه من استصلاحها ومتابعتها وربما تكون بقايا أرث لمتوفى مؤجل النظر فيها. كم مزرعة خربة مهجورة مهملة معرّضة لارتكاب الجرائم فيها ومؤهلة لأن يقتل بداخلها من يقتل وترتكب في حقه وحق غيره جنايات بعيدا عن الأنظار؟؟!! كم مزرعة خربة مهجورة هي وكر لتصنيع الخمور، لممارسة القمار وأنواع الفساد والمنكرات فيها، ولاختباء الفارين من الأحكام القانونية ومن العدالة لأنها استمرت خربة مهجورة فأضحت أكثر أمانا لهم، ولا جهات مختصة تهتم بمسح المدن والمحافظات والقرى والهجر مسحاً ميدانيا بغية الكشف عن الأمكنة المؤهلة لاستخدامها استخداما سيئاً، لأنها كانت يوما ما حية صالحة للحياة البشرية والحيوانية والنباتية ثم أهملت وتقادمت عليها السنون وهي مهملة!!؟؟. رفات أو عظام خمس جثث لآسيويين مقيمين تلك التي عثروا لها في مزرعة صفوى في الشرقية تعلن عن احتمالية وجود رفات وعظام غيرها كثيرة في أمكنة تشبه مزرعة صفوى في الإهمال والهجر من قبل مالكها أو مستأجريها أو وارثيها. المزارع المهجورة ما هي إلا قنابل موقوتة بسبب أنها أفضل وآمن مسرح لقيام الجريمة فيه، وهي أخطر مكان لاندلاع الحرائق، وأحسن مرتعا للزواحف السامة وللحشرات والأوبئة لوجود المستنقعات وبرك المياه الآسنة. بل أنا مؤمنة أن أغلب العمالة السائبة تتخذ من هذه المزارع مأوى لها بالتالي التصحيح لم يكتمل بعد؛ أعني تصحيح وضع العمالة ما لم تهتم الدولة بعمل مسح لجميع الأمكنة المهجورة والمزارع منها. وفي محاولة مني لتتبع أخبار ماضية عن واقع هذه المزارع قادتني محاولاتي إلى الوصول لأخبار عدة منها: خبر نشر قبل يومين عن وافد آسيوي مضطرب نفسيا يسكن في غرفة بالية في مزرعة مهجورة تبعد عن الأفلاج 40 كم شمالاً -الأفلاج مدينة تقع جنوب الرياض- اتضح أن الوافد يتواجد في هذا المكان منذ خمس سنوات!!. أما قبل عام من الآن فقد تمكن رجال الدفاع المدني بمركز الدفاع المدني بمدينة العيون من إخماد حريق وقع صباحا في أحد المزارع المهجورة في بلدة المراح بالقرب من مربط السيف للخيول العربية، ثم عاد الحريق واندلع مرة أخرى في ذات المزرعة انتقل إلى مزرعة أخرى مجاورة واحترق بها عدد من النخيل. أيضا قبل سنتين نشرت أحدى صحفنا السعودية تصريحا لمدير إدارة الدفاع المدني بمحافظة القطيف قال فيه: بعض المزارع المهجورة في القطيف تحولت إلى مواقع تحتوي على أنشطة مخالفة مثل تصنيع البيوت الجاهزة، وتخزين الإطارات، وتجميع الخردة، وتخزين الفحم بكميات كثيرة، وتخزين الأخشاب، وإعادة تصنيعها وغيرها من النشاطات المخالفة. التصريح في عام 2012 والجثث الخمس التي عثر عليها اكتشفت في عامنا الحالي 2014 يعني أن العلم بحال المزارع المهجورة علم قائم من الجهات المعنية منذ سنوات !! فلماذا إذا تسقط عن كاهلها واجب مسح هذه المزارع مسح ميدانيا مستمرا بالإضافة على إلزام أصحابها أما باستصلاحها ومتابعتها أو التخلي عنها لمن هو أجدر بالاعتناء بها، كما ويمكن أن تحول تلك المزارع إلى مخططات سكنية هذا إذا كانت لدينا جهات مختصة يعنيها أمر الوطن والمواطن وتحركات المقيم قبل أن تتحول المزارع المهجورة إلى بركة عظام بشرية.