كلما تقدمت تقنيات الإنترنت زادت القدرة على التنبؤ بطلبات المستخدمين بناء على ممارساتهم السابقة في الفضاء السيبراني. فيكفي أن يختار المرء لقطة فيديو في يوتيوب لكي تقوم خوارزمات توقع طلبات المستخدمين باقتراح عشرات لقطات الفيديو المشابهة في كل مرة لاحقة يدخل فيها إلى اليوتيوب. وإذا تم البحث عن موضوع معين في إحدى المرات، فإن نتائج البحث في المرات اللاحقة غالبا ما تتضمن ما يبحث عنه المستخدم في أول قائمة نتائج البحث. وبمجرد شراء كتاب من أمازون فإن صفحة youramazon.com ستطرح العديد من الكتب المقترحة ذات العلاقة بالكتاب الذي تم شراؤه. إن تقنيات التنبؤ باهتمامات البشر في الفضاء السيبراني على المستوى الشخصي تواصل تقدمها، بحيث يرى البعض أننا في القريب العاجل –ربما بعد 15 عاما من الآن- سنحيط أنفسنا بالمعلومات التي نهتم بها فقط، حيث ستقوم النظم التي سنستخدمها برصد ما نحب في الفضاء السيبراني ثم إمدادنا به على مدار الساعة. وثمة من يرى أن ذلك يعتبر من الآثار المؤسفة للخوارزمات المتقدمة للتنبؤ، حيث لا يضطر المرء حينئذ إلى التفكير في الأشياء التي لا يفكر عادة فيها، فكل شيء قد تم تصميمه بالضبط في الصورة المثالية التي ينبغي أن يكون عليها، وكل اختياراتنا نحصل عليها بسرعة وكفاءة دون حتى مبادرة منا بالتقليب في البدائل، وكأننا نضع عقولنا في حالة من النعاس. فعندما نتحدث عن تصفح الإنترنت فإننا نصف ممارسة تقوم على القفز من موقع إلى موقع ومن صفحة إلى أخرى أقل ارتباطا بها ولكنها ربما تثير فضولنا لمعرفة ما بها. لكن هذا التوجه نحو الاعتماد المبالغ فيه على خوارزمات التنبؤ برغبات مستخدمي الإنترنت وطلباتهم، يقضي على الإثارة التي تصاحب عشوائية البحث، ومتعة المصادفة، التي يتعرض لها مستخدمو الإنترنت الذين لم يتم رصد اهتماماتهم وتطلعاتهم في ممارساتهم السيبرانية السابقة. وثمة من يحذر من ذلك، لأننا حين نصل مباشرة إلى المعلومة المطلوبة باستخدام الخوارزمات المتقدمة، فإننا بذلك نخاطر بتقليل فرص المصادفات التي تدهشنا أو تثير فضولنا، بما يؤدي إلى أن يعيش كل منا في عالمه السيبراني الخاص به، فيقل إبداعه، ويقل تفاعله مع اهتمامات غيره. وحينئذ تكون الخوارزمات التي تقسم الإعلانات أو تفرزها حسب الاهتمامات الشخصية مقسمة للبشر حسب اهتماماتهم، وفي نفس الوقت عازلة لهم عن غيرهم. وعلى الجانب الآخر، هناك من يرى أن الناس لم يعودوا في حاجة إلى الحديث معهم أو وضع الإعلانات الصاخبة لهم عن كل شيء، وإنما هم في حاجة إلى إعلانات ذات طابع شخصي تتناول فقط ما يثير اهتمامهم وما يودون معرفته. ويرى أنصار هذا التوجه، أننا حينما نضع اهتمامات المرء أمام عينه مباشرة في أقل وقت ممكن فإننا نتيح له بذلك وقتا للإبداع ولعمل ما يثير الاهتمام، وهو وقت يضيع الآن في التنقيب عن ما هو ضروري والتقليب بين بدائله المتاحة. ترى أين نحن من ذلك؟. * أستاذ علم المعلومات-جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى