أفاق مصباح أبو صبيح (39 عاماً) فجر الإثنين الماضي في بيته في القدس الشرقية، وصلى الفجر مع زوجته وأولاده، وفي الصباح ودعهم وتوجه الى مركز الشرطة الإسرائيلية لتسليم نفسه الى السلطات لقضاء أربعة أشهر من الاعتقال الإداري بتهمة «التحريض». وبعد ساعات قليلة، شاع نبأ سقوطه في هجوم مسلح نفذه في القدس قرب مركز قيادة الشرطة، وهو المكان الذي كان مقرراً أن يسلم نفسه فيه. وقالت ابنته ايمان، البالغة من العمر 17 عاماً، للصحافيين أن العائلة اعتادت على دخوله السجون الإسرائيلية بلا مبرر، إذ اعتقل خمس مرات، ومنع من دخول المسجد الأقصى مرات عدة، وأبعد عن القدس لمدة ستة أشهر بسبب «رباطه» في المسجد، أي الوجود في المسجد لحمايته من الاقتحامات اليومية التي يقوم بها مستوطنون. وبعد ساعات قليلة من العملية، دهمت قوات الاحتلال منزل مصباح، واعتقلت الابنة ايمان وأحد أشقائه ووالده. وأعلنت السلطات أنها اعتقلت ايمان بعد إشادتها بوالدها وبالعملية التي نفذها، على اعتبار أن ذلك «تحريض على العنف»، علماً أن كل ما قالته ايمان وتسبب في اعتقالها هو: «أحتسب والدي شهيداً عند الله، ونأمل بأن يشفع لنا يوم القيامة، أنا فخورة بما صنعه والدي». وربما يفسر ذلك الى حد كبير قيام مصباح بالعملية المسلحة التي سقط فيها، فحياته كانت سلسلة من الاعتقالات والإبعادات عن المسجد وعن القدس والمضايقات التي يرجح أنها أوصلته الى هذا الخيار، فترك عائلته المؤلفة من أبناء وبنات عدة ومضى الى مصيره. واعتقل مصباح خمس مرات، غالبيتها بتهمة التحريض، وهو ما تطلقه السلطات على الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي. كما اعتقل عام 2014 اثر كتابته تعليقاً على «فايسبوك» عقب خطف الفتى المقدسي محمد أبو خضير وحرقه حياً، اعتبرته السلطات تحريضاً، وجاء في ذلك التعليق: «القدس على بركان، وهو على وشك الانفجار». وضمت لائحة الاتهام التي وجهتها اليه السلطات حينئذ 14 بنداً، أولها التحريض. وقال الناطق باسم مكتب نادي الأسير الفلسطيني في القدس راجح أبو عصب أن السلطات أبلغت محامي النادي، عقب سقوط أبو صبيح، أنها تعتبر كل من يكتب تعليقاً على وسائل التواصل الاجتماعي يشيد بمنفذي العمليات أو ينشر صورهم، تحريضاً يستوجب الاعتقال، وأنها ستعتقل في الأيام المقبلة كل فلسطيني يقوم بالتحريض على هذه المواقع. وتظهر أنشطة أبو صبيح اليومية وتعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي تواضع مطالبه وانحسارها في الصلاة بحرية في المسجد الأقصى والوجود فيه من دون قيود. وكتب على حسابه على موقع «فايسبوك» عن حبه للأقصى قبيل موعد تسليم نفسه للاعتقال: «كم أشتاق لعشقي لحبي كم أشتاق، وكنت أتمنى لو كنت آخر ما أراه وأقبله وأسجد على ثراه، أقبل ترابك وأصلي فيك، لكن هو الظلم، وهم الظالمون، لن أشتاق لأحد كاشتياقي إليك، لن أحب أحداً كحبي إياك، رغم سجونهم حقدهم جبروتهم طغيانهم حبي لك يزداد، قالوا 4 أشهر سجن لحبي إياك، قلت والله قليل فعمري وحياتي وكل مالي فداك، إن لم أستطع الوصول إليك بجسدي فروحي وقلبي وعيوني ما فارقتك، وما تركتك، وما نسيتك، الحب الأكبر والعشق الأبدي حتى الممات». وشكلت العملية التي نفذها أبو صبيح امتداداً لسلسلة من العمليات الفردية التي يقوم بها أفراد من الأعمار المختلفة، منذ تفجر الهبة الشعبية في الأول من تشرين اول (اكتوبر) العام الماضي. ويجمع المراقبون على أن الممارسات الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطينيين تشكل المحرك الرئيس لهذا النوع من العمليات. فالفلسطيني يفيق من نومه كل صباح على أنباء هدم المنازل ومصادرة الأراضي وبناء الأحياء الجديدة في المستوطنات وفرض المزيد من القيود على الحركة والعمل والاستثمار. ولا تفارق هذه الأنباء عناوين الصحف والمواقع الإخبارية على مدار العام. وظلت القوى السياسية المختلفة بعيدة عن هذه العمليات، ما يؤكد انها فردية الطابع، وأن دوافع أصحابها فردية. ويرى كثير من المراقبين أن العمليات ستستمر بأشكال مختلفة، وأنها ستواصل طابعها الفردي الذي يعبر عن مدى ضيق الفرد الفلسطيني من ممارسات الاحتلال وتضرره البالغ منها، وعلى شكل موجات يصعب على أحد التنبؤ بها. اعتقالات ومنذ الهجوم، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين، بالإضافة إلى أقارب منفذ الهجوم، ما يثير المخاوف من اندلاع موجة جديدة من العنف مع اقتراب الأعياد اليهودية الكبرى.وقال وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه تم اعتقال 31 فلسطينياً كانوا يريدون المشاركة بعد ظهر الأحد في مراسم لتكريم منفذ الهجوم الذي قتل، كما تم اعتقال افراد من عائلته. وأكدت الناطقة باسم الشرطة الإسرائيلية لوبا سمري انه تم اعتقال 15 فلسطينياً آخرين بتهمة إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة باتجاه قوات الأمن في احياء مختلفة من القدس الشرقية. وأعلن الجيش الإسرائيلي انه اعتقل 16 فلسطينياً غيرهم ليل الأحد - الاثنين في الضفة الغربية، حيث اعلن ايضاً إغلاق ورشة لتصنيع الأسلحة في الضفة. وقامت القوات الإسرائيلية بعملية مسح لمنزل منفذ الهجوم مصباح أبو صبيح تمهيداً لهدمه. وأصيب جندي بجروح طفيفة نتيجة انفجار قنبلة يدوية الصنع خلال مواجهات اثناء العملية. ومن المتوقع أن يتوجه آلاف من اليهود إلى البلدة القديمة في القدس، وتحديداً إلى حائط المبكى (البراق)، من أجل «يوم الغفران». وأعلنت الشرطة الإسرائيلية نشر وحدات اضافية في القدس، خصوصاً في البلدة القديمة وقرب حائط المبكى، كما سيتم نشر أكثر من 3000 شرطي خلال الأعياد اليهودية.