هل تذكر حينما كنت طفلا تتوسل من أجل الحصول على لعبة بعينها، وما أن تحصل على ما تشتهي حتى يبدأ منحنى البهجة في التناقص بعد الامتلاك، ولا تقدم لك التجربة الجاذبية والسحر نفسه مع مرور الوقت، ولا يلبث أن ينتقل الشغف لشيء آخر. تتكرر هذه اللعبة نفسها مع الكبار فيكون الهدف رحلة ما أو علاقة أو منتجا، ويمكننا تسمية هذه الحالة «طاحونة اللذة» وهو تشبيه مجازي يترجم دوراننا مع طواحين اللذة حين نشتهي شيئا بعد الآخر طيلة الوقت، من أجل وهم الحفاظ على مستوى متدفق من السعادة، حيث نتحمس للأشياء الجديدة ثم نعتادها ونبدأ في اشتهاء المزيد ثم نمله ليبدأ البحث عن بديل وهكذا تستمر الطاحونة في الدوران. يفهم منتجو الإعلانات التجارية وخبراء التسويق هذه الظاهرة جيدا، ولهذا السبب فإنهم يشحذون أفكارهم ليظلوا مستعدين على الدوام ليبيعوا لنا شيئا جديدا يحل محل القديم الذي مللنا منه، ونسقط مرارا في هذا الفخ، لأن شراء شيء جديد ينجح مؤقتا في إيهامنا بأننا أكثر سعادة. ينظر الكثير للسعادة وكأنها إحدى السلع التي يمكننا امتلاكها عبر شيء ما، ورغم أن هذا الوهم يطمئن الباحثين عن الحلول السريعة، إلا أن طاحونتهم ستستمر في الدوران أعواما طويلة حتى يقتنعوا بأن السعادة هي رحلة تأهيل ذاتي تتطلب انضباطا داخليا وتغييرا في القناعات والاعتقادات. ورغم آلاف الكتابات والدراسات من الفلاسفة والحكماء والأطباء حول السعادة منذ آلاف السنين إلا أن (مارتن سليجمان) مؤسس علم النفس الإيجابي ورئيس الجمعية الأمريكية لعلم النفس والباحث البارز في مجال «العجز المكتسب» قد أحدث تحولا هائلا في كيفية فهم «علم السعادة». بإيجاز شديد تعتمد نظرية سليجمان على أنه يمكن تعديل الحالة النفسية للأشخاص وإكسابهم المزيد من التفاؤل والمرونة في مواجهة التحديات الحياتية بشكل كبير في حال تدريبهم على الإجابة بوضوح عن ثلاثة أسئلة جوهرية تعكس اعتقادات عميقة عن الرؤية الذهنية للشخص حول التحديات: 1-هل هذه العقبة مؤقتة أم سيكون لها آثار كارثية للأبد؟ والإجابة المثالية هي أن هذه العقبة عابرة ستزول ببعض الأمل والإصرار. 2-هل هذه العقبة تتعلق بكل ما تقوم به أم أنها مرتبطة بشيء واحد فقط؟ والإجابة المطلوب الوصول إليها أنها ترتبط بأمر أو اثنين وليست بذلك العموم الذي نتوهمه. 3-هل أنت وحدك المسؤول عن هذه العقبة أم أن هناك عوامل أخرى؟ ولابد أنك تعلم أن الكثير من العوامل المساندة يمكنها أن تدعم وتساهم. من المهم أن نعي دوما أن سعادتنا ليست في عدم الوقوع مطلقا بل في النهوض في كل مرة نتعثر فيها، فقد نواجه بعض خيبات الأمل أحيانا ولكن الانتصار هو في عدم تعميم خيبة الأمل لتضرب بأهدافك عرض الحائط، أو تحويل الزلة لهزيمة ملازمة، بل كيف تستخدمها لتصحح مسار السفينة وتستكمل الرحلة.