استخدم الرئيس الأميركي، باراك اوباما، حق الفيتو ورفض قانون تطبيق العدالة ضد من يرعى الإرهاب، لكن الكونغرس الأميركي قام للمرة الأولى بتجاوز فيتو الرئيس. وهذا القانون الكارثي ستكون له آثار مدمرة على الاقتصاد والسياسة الأميركيين. وكانت دعاوى المسؤولية الفردية ضد الدول قد ألغيت استناداً إلى مبدأ حصانة سيادة هذه الدول، وهو ما تستفيد منه الولايات المتحدة ودول أخرى، لكن قانون «جاستا» يلغي حصانة أي دولة تمارس الإرهاب في أي مكان من العالم، وهو الأمر الذي يحدده قضاة المحاكم الأميركية. تقليدياً فإن المملكة العربية السعودية غير محبوبة في الولايات المتحدة، ليس فقط من قبل اليسار، لكنها كذلك أيضاً من قبل اليمين الذي يعاني «فوبيا» الإسلام. لكن الأمر الأبرز في ما يتعلق بقانون «جاستا»، أنه يجيز لعائلات ضحايا حوادث 11 سبتمبر مقاضاة الرياض على هذه الهجمات، وهو الأمر الذي سيكون تصرفاً خاطئاً في كل خطواته. أولاً، ينبغي القول إن السعودية لم تدعم زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، خلال حرب الخليج في فترة 1990 و1991، لأن العاهل السعودي، في حينها، الملك فهد اختار جلب القوات الأميركية لطرد الجيش العراقي من الكويت، وكان بن لادن و«القاعدة» يعارضان ذلك، لأن إدخال جيش غير مسلم إلى الجزيرة العربية كان ينطوي على مخالفة صريحة للإسلام. وبناء عليه سحبت السعودية من بن لادن جواز سفره السعودي، الأمر الذي جعله يعيش حياة المنفى في السودان. وضغطت السعودية على السودان لطرده، ولذلك عاد إلى أفغانستان. هروب الاستثمارات عملت الحكومة السعودية ومعظم كبار المسؤولين على الاستثمار بقوة في سوق الأسهم الأميركي، كما أن لديهم استثمارات أميركية أخرى. وأي شخص يمكن أن يتوقع حدوث هجمات، كالتي وقعت في 11 سبتمبر، يدرك أنها ستدمر قيمة هذه الاستثمارات، وهو ما حدث بالفعل. والحكومة السعودية لم تكن وراء هذه الهجمات ولم تعرف أنها ستحدث. ولو أن السعوديين قاموا بسحب أموالهم بصورة مفاجئة لعلمت «وكالة الأمن والتبادل الأميركي» بذلك. وبالطبع لو أن الحكومة السعودية كانت تعلم بوقوع هذا الحادث، لما سمحت لأحد من السعوديين بزيارة الولايات المتحدة في سبتمبر عام 2001. وكان الرئيس جورج بوش الابن قد خشي وقوع أعمال اعتداء على السعوديين الأبرياء الذين كانوا يزورون الولايات المتحدة حينها. وكان بن لادن قد حصل على دعم من إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، حيث كانت تعمل إدارة ريغان حينها خارج إطار القانون الدولي، وأي محكمة نزيهة يمكن أن تعتبر دعم ريغان للجهاديين ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، دعماً للإرهاب. ويمكن أن تتعرض المملكة العربية السعودية للمقاضاة ويمكن أن تخسر في المحكمة، إذ إن القضاة الأميركيين ليسوا خبراء بقضايا ومشكلات الشرق الأوسط، ومعظمهم لا يعرف الفرق بين السني والشيعي، أو الإرهابي والسلفي. وكانت محكمة أميركية قد حكمت بأن إيران شريكة لـ«القاعدة» في أعماله، الأمر الذي يشابه اتهام نقابات إيرلندا الشمالية بدعم الجيش الإيرلندي سراً. والمؤسسات الأميركية الداخلية، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي والمحاكم، ترتكب إخفاقات جسيمة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، نتيجة الجهل ومشاعر الكره. ولكن أي دولة لن تكون من الغباء بحيث تترك نحو 1000 مليار دولار في الولايات المتحدة، إذا اعتقدت أن المحاكم يمكن أن تصادرها بصورة غير قانونية، وكان السعوديون قد أعلنوا صراحة أنهم سينقلون استثماراتهم إلى أماكن أخرى إذا نجح قانون «جاستا» وأصبح نافذاً. وهنا لابد من القول إن الصناديق المالية السيادية أصبحت جزءاً كبيراً من تمويل العالم في هذه الأيام، وهي تواجه الخطر نتيجة هذا القانون الذي ألغى حصانة سيادة الدول. وكثير من الدول والشركات الأجنبية يستثمر في الولايات المتحدة أو يودع أمواله هناك، الأمر الذي يجعل اقتصاد الولايات المتحدة ضخماً. وأشارت إحدى الدراسات إلى أن «الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية التي تستثمر في الولايات المتحدة، إضافة إلى الشركات الأميركية متعددة الجنسيات التي مقارها في الولايات المتحدة، هي الأكثر إنتاجاً والأكثر دعماً للاقتصاد الأميركي. حيث تنفذ هذه الشركات الكثير من أعمال البحث والتطوير، وتقدم الكثير من القيمة المضافة للمتاجر في الولايات المتحدة، كما أنها تصدر من البضائع والخدمات أكثر مما تقوم به الشركات الأخرى في الاقتصاد الأميركي». الكل ضد الكل لكن نصّ قانون «جاستا» المبهم (إذ إن ثمة أشخاصاً يعتبرون إرهابيين في حين أن آخرين يعتبرون مدافعين عن الحرية)، سيسمح لجميع أجناس البشر برفع القضايا ضد جميع الحكومات في العالم. ويمكن أن يرفع الأميركيون من أصل إيرلندي قضايا ضد المملكة المتحدة نتيجة الأضرار التي أصابتهم خلال فترة المتاعب التي عمت في إيرلندا الشمالية. وكذلك الأميركيون من أصل فلسطيني سيرفعون قضايا ضد إسرائيل، واليهود الأميركيون سيرفعون قضايا ضد الفلسطينيين. والأميركيون من أصل أوكراني سيقاضون روسيا، وكذلك النخبة المؤيدة للرئيس الليبي، معمر القذافي، التي تعيش الآن في الولايات المتحدة ستقاضي فرنسا وبريطانيا لدعم المجموعات الإرهابية في ليبيا، والضحايا الكينيون الذين قمعوا على يد الاستعمار البريطاني، في ما يعرف بقمع «ماو ماو»، الذين يعيشون الآن في الولايات المتحدة سيقاضون بريطانيا. ولكن لماذا نقف هنا؟ لماذا لا تدع الحكومة السعودية مواطنيها السعوديين يقاضون دعم الولايات المتحدة للإرهابيين العشوائيين في الضفة الغربية؟ ماذا إذا قامت باكستان بمقاضاة الولايات المتحدة على أعمال القتل بالطائرات بلا طيار، التي تقوم غالباً بقتل المدنيين، على الأراضي الباكستانية؟ أو أن تقوم المحاكم اليونانية على نمط «جاستا» بالسماح للباكستانيين في اليونان بمقاضاة الولايات المتحدة على الضربات التي وجهتها في منطقة وزيرستان. زرع مخاوف من الجلي أن زرع مثل هذه المخاوف لدى الحكومات (والشركات التي لها أي علاقة مع الحكومات)، يمكن أن يسبب انهياراً مباشراً في الاستثمار حول العالم ويحرض على حدوث سقوط مدوٍّ للاقتصاد العالمي. وتستفيد الولايات المتحدة من كون لديها احتياطي النقد العالمي، ولكن الدول التي تخشى تعرضها للمقاضاة لن تأخذ أموالها من الولايات المتحدة فحسب وإنما ستحولها إلى اليورو أو اليوان الصيني. وبعد الأحكام التي ستصدر ضد المملكة العربية السعودية والمشاعر العدوانية التي ستفجرها، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على طلب العون من السعودية بشأن «القاعدة» لأنها لن تلقى آذاناً صاغية في الرياض. وكان بن لادن قد اختار متعمداً منفذي أحداث 11 سبتمبر من السعوديين، على الرغم من أن لديه متطوعين من جميع الجنسيات، لأنه كان يأمل دق إسفين بين الولايات المتحدة والسعودية، ولجعل البلدين ضعيفي المقاومة للإرهاب، لكنه فشل في تحقيق مآربه، حتى قرر الكونغرس الأميركي مساعدته لتحقيق ذلك. ولطالما ارتكب الكونغرس الأميركي أموراً غبية كثيرة، بيد أن هذه الخطوة الأخيرة ستكون ثالثة الأثافي التي ستجعل الشعب الأميركي العادي يعاني نتيجة قانون غبي.