تدشن مصر، غدا، من مدينة شرم الشيخ، احتفالها الرسمي العالمي بمناسبة مرور 150 عامًا على بدء الحياة النيابية بها، وذلك تحت رعاية وبحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعدد من رؤساء البرلمانات على مستوى العالم، بالإضافة إلى وفود تمثل 14 برلمانًا على مستوى أمناء عموم ونواب وعدد من كبار الشخصيات البرلمانية على المستوى الدولي. وتأتي أهمية احتفالية مرور 150 عامًا على تأسيس البرلمان في مصر، من دلالتها على عراقة مصر كدولة مدنية حديثة، حيث تعد من أقدم الدول التي بدأت بها الحياة النيابية، والتي مارس فيها شعبها "العمل النيابي"، باعتباره أحد أهم مقومات الدولة المدنية الحديثة التي تعتمد على المشاركة الشعبية، باعتبار أن الشعب شريك في الحكم. وميلاد الحياة البرلمانية الحقيقية، بدأ في مصر عام 1866 بافتتاح الخديو إسماعيل الجلسة الأولى لمجلس شورى النواب، الذي أسسه بعد مرور 3 سنوات من توليه الحكم، و كان ذلك نسخة مطورة من مجلس جده محمد علي "المجلس العالي"، والذي أقامه بهدف تلقي اقتراحات لم يكن ملزما بها. وتألف أول مجلس نيابي في مصر "شورى النواب"، من 75 عضوًا يجري انتخابهم كل 3 سنوات، من بينهم 58 عضوًا من العمد والمشايخ، ورغم أنه كان معبرا عن مصالح الطبقة الحاكمة، إلا أنه لم يخل من وجود للمعارضة الحقيقية، رغم باكورة الحياة السياسية بمعناها المعروف حاليا. وبعد 10 سنوات من تأسيس مجلس شورى النواب، قاد بعض الأعضاء حملة في المجلس اعتراضا على السياسة المالية للخديو إسماعيل والحكومة، بعد أن بلغت الضائقة المالية في مصر ذروتها، ووقتها عرف المجلس نوعية "الجلسات غير العادية" التي يطلبها الأعضاء للبت في أمر هام للغاية، ومن ذلك الإصرار على مناقشة ميزانية الحكومة التي كانت تمررها دون عرضها على النواب. وعلى مدى حقبة من الزمن بدأت من مجلس شورى النواب في عام 1866 إلى مجلس نواب الثورة في عام 2016، شهد تاريخ الحياة النيابية المصرية، تعاقبا في النظم بلغ عددها 7 نظم نيابية تفاوت نطاق سلطاتها التشريعية والرقابية من فترة لأخرى، ليعكس في النهاية تاريخ نضال الشعب المصري وسعيه الدؤوب من أجل إقامة مجتمع الديموقراطية والحرية. وبعد مرور قرن ونصف القرن، جاء برلمان 2016 غير المسبوق، لأنه جاء بعد غياب 4 سنوات من عدم وجود أي شكل من أشكال حياة برلمانية، جاء ليمثل الاستحقاق الثالث والأخير في خارطة طريق ثورة 30 يونيو، وبه اكتملت أركان الدولة المصرية في مرحلة من أشد مراحلها دقة وحساسية، جاء ليحمل عبء بلد مثقل بالأزمات، ساعيا للبناء والانطلاق، وضم نوابا تنتظرهم حزمة من التشريعات والقوانين المصيرية التي تتعلق بمختلف مناحي الحياة، وأمامهم عشرات القوانين التي تعالج قضايا اقتصادية واجتماعية هامة وخطيرة، ومشروعات للبنية التحتية في عدد من القرى، بالإضافة إلى ما هو مطلوب منه القيام به من دور رقابي تشريعي. وكان آخر التغيرات الهيكلية التي شهدها أحدث روافد الحياة النيابية المصرية، ما أقره دستور 2014 "دستور الثورة"، من غرفة تشريعية واحدة باسم مجلس النواب بدلا من مجلس الشعب، ليباشر المجلس - بوصفه السلطة التشريعية - اختصاصات مختلفة ورد النص عليها في الباب الخامس من الدستور. فوفقا للمادة 86 وما بعدها، يتولى المجلس سلطة التشريع، وإقرار المعاهدات والاتفاقات، وإقرار الخطة والموازنة، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومناقشة بيان الحكومة، وتعديل الدستور، ووضع الدستور مجموعة من الضمانات للحفاظ على استقرار السلطة التشريعية. ويعد مجلس النواب أهم مؤسسة تشريعية ورقابية في مصر وفي أية دولة من دول العالم، ومعه تلعب الحكومات في أغلب الدول الديمقراطية دورا حاسما في إعداد التشريعات المطلوبة، ويكون نتاج النقاشات الواعية إصدار تشريعات تعطي المجتمع حقوقا واضحة، لضمان العيش بكرامة، وحماية القيم والأخلاق العامة، ومنع الخروج عنها أو إساءة استخدامها في التعدي على حقوق الآخرين.