على رغم تركيز الهتافات إبان مسيرات تأييد قرارات الدكتور محمد مرسي، وقت كان رئيساً، على عوامل الذكورة وقواعد الفحولة، وعلى رغم تهييج الجماهير وتأجيج الأحاسيس على مدار عام مضى من خلال شعارات براقة وتهليلات فتاكة، وعلى رغم المحتوى الذكوري البحت لمسيرات تأييد قرارات الرئيس قبل وأثناء وبعد ظهورها، إلا أنه بعد عام من حكم مرسي ونحو شهر من عزله بإرادة شعبية، باتت الهتافات متركزة على عوامل الأنوثة وقواعد الحرائر، وصار تهييج الجماهير وتأجيج الأحاسيس مسؤولية الأخوات الفاضلات، وتحوّل المكون المؤثر أمام الكاميرات وفي التقارير المغازلة لمشاعر العالم الذي يجلس متفرجاً إلى مكون نسائي باقتدار. لم يعد هتاف «مرسي وراه رجاله» الذي دوى عشرات المرات لترهيب كل من تسول له نفسه أن يعترض على إعلان دستوري، لكنه غير دستوري، يصدره الرئيس، أو يندد بقرار معاد للقضاء يطلقه الرئيس مغلفاً بجمل وعبارات تؤكد عشقه للقضاء الشامخ وتبجيله لرجاله الشرفاء هو شعار المرحلة، بل تحول شعار المرحلة إلى حرائر يقدمن أرواحهن فداء للشرعية والشريعة، وسيدات يجلسن على منصة «رابعة» محيطات رؤوسهن من خلف النقاب بعبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ومرتديات أكفانهن استعداداً للشهادة في سبيل الإسلام على وجه تهليل الرجال وتكبيرهم، وأمهات يطفن الشوارع مبتسمات مغتبطات لأن أولادهن وبناتهن يسيرون أمامهن وهم يرتدون أكفانهم التي صنعتها الأمهات لهم. وفي كل ليلة وعقب صلاة العشاء والتراويح، يحرص معتصمو «رابعة» على العنصر النسائي في مسيراتهم الليلية التي تعلن توجهها إلى هذه المنشأة العسكرية أو تلك بغرض استفزاز القوات المسلحة. وبدلاً من أحاديث «صوت المرأة عورة» و «نزول المرأة للشارع لغير الضرورة مكروه» و «زواج البنات حال بلوغهن ولو كن في التاسعة»، علت أصوات معتصمي «الشرعية والشريعة» تبجيلاً لمرابطة الأخوات في الشارع جنباً إلى جنب مع الرجال، وإصرار بعضهن على المبيت في خيام «رابعة» نصرة للشرعية والشريعة، على رغم أن خيام «التحرير» لاقت ما لاقته من رموز الجماعة ومشايخ حلفائها من كونها سبّة في جبين الثوار ومعقلاً لممارسة الرذيلة والفسق والفجور. وبدلاً من نعوت العهر والزندقة والفجور التي نالت ثائرات وناشطات تجرأن على التظاهر والاعتراض، تارة ضد المجلس العسكري إبان حكمه في المرحلة الانتقالية عقب ثورة يناير وتارة ضد ممارسات الأمن العنيفة، صارت الثائرات والناشطات السائرات في شوارع «مدينة نصر» حيث مربع «رابعة العدوية» والمجاهرات بالهتاف على رغم عورة أصواتهن هن «أنقى نساء مصر وأشرف فتياتها». وبعد صولات وجولات من صب جام الغضب وتوجيه سهام اتهامات الخيانة والعمالة إلى من جاهرت بصوتها هاتفة «يسقط يسقط حكم العسكر» قبل عامين، بات هتاف «حرائر رابعة» «يسقط يسقط حكم العسكر» هتافاً محموداً وقولاً صائباً. ليس هذا فقط، بل أن ضلوع الأطفال في فعاليات ثورية في ميدان «التحرير» بالأمس القريب كان مصنفاً إخوانياً باعتباره استغلالاً معيباً ومتاجرة رخيصة بأحباب الله، لكنه تحول اليوم إلى مقياس لعبقرية الصغار وحسن تربيتهم وكمال تنشئتهم، لا سيما لو كانوا يتزينون بأكفانهم الجميلة التي تتفاخر بها أمهاتهم أمام الكاميرات. وتتحدث «حرائر رابعة» ونسائها عن الطفل الجميل «بارك الله فيه وفي والديه» و «سدد خطاه» و «رفع شأنه وشأن من رباه ونشأه هذه التنشئة الجميلة»، وهو الطفل الذي وقف أمام الكاميرات محاطاً بالنساء المعتصمات وقال إن غاية المنى والأمل له أن يقتل «السيسي» بيديه! وبعد ما كانت صورة المرأة التي يتم الدفع بها في انتخابات برلمانية لتجميل صورة هذا الحزب أو إضفاء سمة التحضر على ذاك يتم إحلالها وتبديلها بوردة حمراء، بحكم أن وجه المرأة عورة، ها هي صورة إحدى النساء اللاتي لقين حتفهن على أيدي بلطجية في مسيرة المنصورة الإخوانية المؤيدة لمرسي يرفعها الجميع في الشوارع ويخلفونها وراءهم بعد انتهاء مسيراتهم الليلية صوب المنشآت العسكرية. ويبدو أن الأيام التي كانت الجماعة تكرر فيها عبارات على شاكلة «إيه إللي وداها هناك؟» كلما تعرضت سيدة أو فتاة للتحرش أو الاعتداء أثناء التظاهر في ميدان «التحرير» وغيرها من ميادين الثورة، وحلت محلها أيام تصنف فيها كل أخت نزلت لتعتصم أو تتظاهر أو تهتف أو تعترض باعتبارها تمارس حقها في التعبير عن رأيها لأنها مواطنة كاملة الأهلية! أهلية الجماعة في التعامل مع نسائها وفتياتها باتت على المحك. فبالأمس القريب كانت المرأة المكرمة في عرف «الإخوان» يتم تبجيلها واحترامها، فهي «في القلب» كما أكد مرسي مراراً وتكراراً في خطب الحب والمودة التي كان يلقيها على جموع المصريين. لكن مع تغير الأوضاع اليوم، وإطاحة الشعب بحكم الجماعة وعزل ذراعها الرئاسية، صارت المرأة في المقدمة وليس القلب. نساء الإخوان بتن في مقدمة المسيرات والتظاهرات، ربما لتجميل الصورة، وربما لمغازلة كاميرات الغرب المتاخمة لاعتصامات «الشرعية والشريعة» والتأكيد لها أن الجماعات الدينية التي كانت تحلم بإحكام قبضتها على مصر لا تضع قيوداً على النساء، بل تدفع بهم إلى الشوارع ومقدمات المسيرات ومؤخراتها من دون حماية، وربما أيضاً لاستخدامهن دروعاً بشرية. فمقتل امرأة أثناء مسيرة أو تظاهرة يحقق قدراً أكبر من التعاطف ويجعل الرسالة المبتغاة أشد وقعاً وتراجيدية. وقد كان لهم ما أرادوا، وسددت نساءهم فاتورة مغازلة الغرب في مسيرة المنصورة، لكن الغاية تبرر الوسيلة، وعودة الجماعة إلى سدة الحكم على رغم أنف ملايين المصريين يبرر قتل النساء وارتداء الصغار للأكفان! لكن الأكثر تراجيدية هو ذلك الحوار بين فضيلة المرشد وأحد مساعديه. المساعد: «همّا خايفين من التحرش والاحتكاك! يعني الموضوع يتعلق بالعفاف!» فيرد المرشد ثائراً: «أنا قلت يطلعوا المظاهرة مش عياقة. يطلعوا المظاهرة يعني يطلعوا المظاهرة ومعاهم أطفالهم الرضع». فيرد المساعد متعجباً من منطق المرشد: «هو فضيلتك المفروض مين يحمي مين؟ الستات تحمي الرجال؟ ولا الرجال يحموا الستات؟» فيرد فضيلته غاضباً: «الجهاد فرض على الرجل والمرأة. النسوان دي بنجوزهم ونسترهم ونشغل رجالتهم ونفتح لعيالهم مدارس مش علشان يقعدوا في بيتوهم ويأنتخوا. ولما يطلبن للجهاد الست إللي مش هتطلع المظاهرة تسيب بيت جوزها وتروح على بيت أهلها». إنه مشهد من مسلسل «الجماعة» الذي أزعج الجماعة وثبت بالحجة والبرهان أنه قراءة في عقل الجماعة وموقف حرائر الجماعة وأطفالها.