خلال الشهر الماضي، نشرت روسيا طائرات مقاتلة وقاذفات بعيدة المدى في القاعدة الجوية «همدان» في إيران. واستخدم الروس القاعدة الجوية لإطلاق قاذفاتهم ضد أهداف في سوريا. وبينما يحمل الانتشار في إيران مزايا عملية محددة لروسيا، تكمن أهميته فيما يكشفه عن الشراكة الروسية الإيرانية بصفة عامة. ويجب أن تجعلنا تلك الخطوة نفكر بوضوح، ونتخلص من بعض الحجج المضللة التي كانت قد انتشرت خلال العام الماضي. فمنذ أن قامت روسيا بالتدخل المباشر في سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت هناك مزاعم محددة، روجتها إدارة أوباما والتابعون لها، حول تداعيات قرار موسكو بالإضافة إلى العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا. وعندما أعلنت روسيا في البداية عن دخولها سوريا، أعلن البيت الأبيض أنها خطوة حمقاء من جانب الروس وأن تلك الخطوة ستجعلهم يغرقون في المستنقع دون أن يحققوا أي شيء. وقد قاد الرئيس أوباما ذلك التوجه بنفسه، مؤكدا أن «محاولات روسيا وإيران لدعم الأسد.. سوف تجعلهم يعلقون في المستنقع ولن تفلح». كما قال الرئيس أيضًا: «ليست دليل قوة، فهي ليست خطوة استراتيجية ذكية من جانب روسيا». وسرعان ما ردد كثير من كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية كلام الرئيس. وعلى الفور، قام الموالون للبيت الأبيض في وسائل الإعلام بالتقاط الفكرة الرئيسية وقدموا تحليلاتهم وكانوا في بعض الأحيان يستشهدون بمسؤولين سابقين في إدارة أوباما والذين يعملون حاليا كخبراء بمراكز الأبحاث لدعم موقف البيت الأبيض. وهناك إحدى الحالات الجديرة بالذكر نظرًا لأنها تعكس التضليل الأساسي فيما قاله البيت الأبيض. ففي حوار أجري في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، نعت أحد الموالين للبيت الأبيض، والذي كان يعمل من قبل في الإدارة الأميركية التدخل الروسي بأنه «غبي» و«مدمر». وعلى غرار أوباما، أكد أن ذلك النوع من «المواقف الذكورية» في وصفه للخطوة التي اتخذتها روسيا «ليس له أي معنى في العلاقات الدولية ولن تكون له نتائج». مما لا شك فيه أن التدخل الروسي كانت له نتائج مهمة للغاية وجلية، سواء على الساحة السورية أو ما بعدها. وفي الحقيقة، وبعد ثلاثة أشهر فقط، غير ذلك المؤلف نبرته وتحدث عن المزايا التي حصلت عليها موسكو من التدخل في سوريا. فقد أصبح المسؤول السابق بالإدارة الأميركية يقول الآن: «يجب أن نقر بأن روسيا تسيطر على الموقف». ومن ثم، فإنه اقترح أن ننحي جانبًا «مسألة مستقبل بشار الأسد عديمة الجدوى»، حتى وإن كان ذلك يعني «الإذعان إلى استراتيجية الأسد والروس» ويعكس جانب كبير من ذلك «التحليل»، في الواقع، ما يراه البيت الأبيض حاليا. وخلال عدة شهور، تحول حديث الموالين للبيت الأبيض حول التدخل الروسي من نعته بأنه مستنقع غبي إلى الحديث عن أن موسكو هي من تدير دفة الأمور وتملي شروط نهاية اللعبة في سوريا. ولم يكن هذا تحليلا جادا بل كان حملة اتصالات استراتيجية يقودها البيت الأبيض. وقد نشرت تلك الحملة رؤية مضللة أخرى. فقد زعمت الإدارة وحلفاؤها أن الروس الذين غرقوا في مستنقع روسيا، كانوا أيضًا على خلاف مع الإيرانيين. فقد تحدث أحد كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية والذي لم يفصح عن هويته عن «تزايد التوتر بين روسيا وإيران بشأن مسألة مستقبل سوريا». وللأسف، أصبح ذلك الاتجاه رائجا بين المعلقين العرب أيضًا. وقد استخدمت الإدارة ذلك التوجه لكي تروج لسياستها في سوريا. ووفقًا لما طرحوه فإن روسيا وإيران مختلفون حول مستقبل الأسد. ومن ثم، أقنع البيت الأبيض وسائل الإعلام بأن سياسته تسعى لاستغلال ذلك الخلاف لكي تقنع الروس بالعمل على تسوية سياسية يمكنها أن تحافظ على ما يطلق عليه «الدولة» السورية. وأضافوا أن الروس ليسوا ملتزمين تجاه الأسد. وأنه من الضروري أن يذهب الحلفاء ويتحدثوا مع الروس أيضًا. والحقيقة هي أن الروس والإيرانيين يعملون في نفس الاتجاه في سوريا ويعتمدان على بعضهما بعضًا. والأهم من ذلك أن سياستهما تعتمد على تقديم الدعم الكامل للأسد. وقد عمل فتح قاعدة «همدان» على تعزيز ذلك التحالف. ولم يكن ذلك سوى دليل جديد على التعاون العسكري المتنامي بين موسكو وطهران. كما يجب علينا أيضًا أن نتذكر أن روسيا تدخلت في المفاوضات النووية في فيينا العام الماضي لدعم موقف إيران بشأن رفع الحظر على تطوير الصواريخ وحظر السلاح. كما تعد إيران، من خلال أقمارها الصناعية في العراق وسوريا، أحد الأعمدة الرئيسية لعودة روسيا مرة أخرى إلى المنطقة لكي تملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة. وتعد سوريا هي البوابة. كما أن نجاح روسيا في سوريا يعد أيضًا نجاحًا لإيران. وعندما سئل أوباما العام الماضي عن التدخل الروسي، نفى ذلك ساخرًا: «إنها ليست مسابقة شطرنج بين القوى العظمى. وأي شخص ينظر لها على ذلك النحو لا يعرف حقيقة ما يدور على رقعة الشطرنج». وبعد ذلك بعام، أصبح من الواضح أن أوباما يشعر بالارتياح تجاه تسليم رقعة الشطرنج السورية بكاملها لروسيا وإيران.