طارق البوعينين في يوم ما، كنت خارجاً من مقر العمل، وفي طريقي رن هاتفي النقال، أجبت، فإذا هي فتاة تخاطبني بكل احترام وتقول: أستاذي مبروك لقد وقع الاختيار عليك للدخول معنا في الاشتراك لعضوية فنادق.. قلت لها: كيف حصلتم على معلوماتي وهاتفي النقال؟ قالت: المعلومات مسجلة لدينا هنا. قلت: إذن ما اسمي؟ قالت: غير واضح لكن رقم التلفون موجود. قلت: كيف حصلتم عليه؟ قالت: أكيد عن طريق أحد الأقارب ممن يرتاد الفندق، سجل رقمك حتى تستفيد معنا. أخيراً تنازلت وقبلت. عرضت الأخت عليّ المميزات والمزايا للعضوية، وفي النهاية، قلت لها: أختي لدي سؤال. قالت: تفضل. قلت: كم هي النسبة التي تحصلين عليها في حالة انضمام عضو لكم عن طريقك؟ قالت: خمسون ريالاً. ثم أخذت تتوسل إليّ وتترجاني أن أقبل وأشترك، وقالت: لي فترة طويلة لم أستطع الحصول على العمولة. لعل هذه الواقعة تعطي تصوراً بسيطاً عن حال المرأة في مجال العمل، وتسلط الضوء على بعض الأعمال التي هي في حقيقتها استغلال للمرأة وعملية اتجار بكرامتها وإنسانيتها، ومع الأسف فقد استغلت المرأة في هذا العصر بجميع وجوه الاستغلال حتى أفقدتها شيئاً كثيراً من هويتها الإنسانية والأنثوية. ومما يجدر الإشارة إليه أن مثل هذه القضية التي تعد من قضايا الإتجار بالكرامات والإنسانيات كثيرة ومتنوعة، حازت المرأة فيها قصب السبق، فمنها الإتجار بصوتها أو صورتها أو بدنها وحتى تفاصيل أعضاء جسدها كاليدين والرجلين والشعر، بل تعدى ذلك إلى الإتجار بملابسها وعباءتها، وما نشاهده من إعلانات مرئية عبر التليفزيون أو الصور سواء لمواد تجميلية أو غذائية أو غيرها إلا أكبر شاهد على هذا الإتجار. وإذا تحدثنا عن الواقعة السابقة وما فيها من اتجار بالمرأة وجعلها سلعة مبتذلة وذلك حين تبدأ من الصباح حتى المساء بمكالمات تشمل جميع شرائح المجتمع، ماذا ستلاقي من ذئاب البشر؟ وكم ستنهال عليها عروض الإغراء؟ وكم هو مدخل لضعاف النفوس لاستغلال حاجتها وضعفها؟ وفي المقابل قد تتنازل هذه الموظفة أكثر وتقدم تنازلات، وكم ستخضع بالصوت والقول في سبيل الحصول على هذا العميل؟. وقد جعلها التاجر وصاحب العمل الوسيلة للحصول على الربح المادي وكبش الفداء، بما لديها من مغريات، فهي كقطعة لحم يرمي بها الصياد ليصطاد بها. وكذلك عندما نجد أحد المعارض يجلب فتاتين للوقوف فقط أمام المعرض لتوزيع الابتسامات والبروشورات لجذب الزبائن، وقد اتخذ صاحب العمل هؤلاء الفتيات كسلعة لتحصيل منفعته المادية، أنا لا أتحدث عن دولة أوروبية أو غربية، هذا واقع في مجتمعنا ومشاهد. ألبسوا هذا الاتجار والعار لباس الوظيفة، وهو في الأصل بخس وجريمة في حق مخلوق كرّمه الله تعالى ورفع من شأنه، والناظر في حال مجتمعنا سيجد صوراً كثيرة من صور الاتجار بالكرامات تحت مسمّى وظيفة وعمل المرأة، كمن يضع عاملاً أمام فندق يرتدي زياً غريباً لجذب أنظار النزلاء إليه، ولو كان على حساب كرامته وإنسانيته. أين حقوق الإنسان من هذا الإتجار؟ وهل أصبحت المرأة عندنا.. سلعة؟!