خرجت من باكستان نهاية الأسبوع الماضي حزيناً، وفي غاية الألم لتلك الأوضاع المأساوية من حياة مئتي مليون مسلم. زاد ألمي لأن المشهد المقابل كان في اليابان: صدمة هائلة لمجرد الفارق بين صعود طائرة ثم النزول منها. نفس الطائرة، وفي سبع ساعات نقلتني من غياهب القرن الحادي عشر إلى معجزة القرن الحادي والعشرين، وكأن الساعة الواحدة من الحساب الزمني تقطع بك مسافة قرن ونصفه. في الليلة الأخيرة لي من ذاكرة باكستان قرأت ما تيسر من كتاب صغير أهداه لي أمين عام حزب (رابطة عوامي الإسلامية) عن بلده. تكتشف في الفصل الأخير من الكتاب أن أهم خمسة وزراء، اليوم، في حياة الناس التنموية لا علاقة لهم، مهنة أو سيرة ذاتية، بما استوزروا من أجله. صار الولاء للحزب أهم من طبيعة توصيف الوظيفة. خذ المثال المقابل من التجربة المصرية: تقول الحقائق إن ثلاثة عشر عضوا من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين جاؤوا من تخصصات هندسية وطبية ومن حقل العلوم الطبيعية. ثلاثة أرباع أعضاء المكتب لا علاقة لهم بالعلم الشرعي ولا الدعوة؛ حيث هي البند الأول في كتالوج أهداف الجماعة. هم هربوا من توصيف وظائفهم الأصلية لأنهم لا يملكون فيها الحد الأدنى من مواصفات العالم الأكاديمي: لا شيء لديهم في تخصصاتهم ليقدموه. ولا يكذب عليكم أحد، فصدمة مصر بتجربة الجماعة كانت مذهلة مدوية، ولعام كامل لم يقتنع محمد مرسي أن سكرتير وزير الري لا يصلح لرئاسة وزراء الدولة لأن الجماعة قدمت صفات الولاء للمنظومة على مواصفات وتوصيف طبيعة الوظيفة. مشكلتنا مع التجربة المذهلة لجماعة الإخوان اليابانيون أنهم في نهاية شرق الأرض بلا ذراع ثقافي وإعلامي لدراسة التجربة. حين انتهت الحرب الكونية الثانية، كانت اليابان تخرج من ركام الغبار النووي. كانت دولة متخلفة بالقياس مع باكستان ومصر. لكن جماعة الإخوان اليابانيون فعلت كل شيء من أجل حياة الإنسان وتفاصيل يومه التنموية. جماعة الإخوان اليابانيون هم أول من حول الإنسان الكوني إلى إنسان رقمي يحمل في جيوبه عناوين حياته وتفاصيل يومه الإلكترونية. لم تحمل جماعة الإخوان اليابانيون أكياس السكر وجوالين الزيت إلى فقراء نجازاكي من أجل رشوة العواطف بل علمت هذا الشعب العظيم كيف يقف في الطابور وكيف يعمل شرائح الميكروتشبس وكيف تنتج اليابان نصف مليار جهاز وآلة وشريحة في العام الواحد. خمسة أجهزة من صنع كل مواطن. إنه الولاء للحياة لا للحزب ولا للجماعة. الوطن