وتسأل: ما معنى كلمة وطن؟ سيقولون: هو البيت، وشجرة التوت، وقن الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز والسماء الأولى. وتسأل: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات... وتضيق بنا؟ محمود درويش إنه وطننا الذي مهما يقسو علينا فإنه يضمنا بفساده ومجرميه وتلوثه وازدحام شوارعه هو وطننا، من وجبنا نحوه أن نندد بتغيره لا ألا نهتم ونسخط فقط على اليوم الذي ولدنا فيه على أرضه منتظرين معجزة أو علاء الدين ليأتي بمصباحه. موضوع واحد، حوار، جدال ونقاش واحد يتردد على مسامعنا هذه الأيام وباقتراب الانتخابات التشريعية ببلدنا. على الفيسبوك ومع سائق سيارة الأجرة، عند البقال وفي المذياع وعند زيارتك لأحد أقاربك: لمن ستصوت؟ وبدوره هذا السؤال ينقسم إلى إجابتين وفريقين، فالبعض يؤمن بحزب واحد بأفكاره ومشاريعه التي لم يحقق شيئاً منها، لا يريد الإيمان بغيره وقد يصوت له دون الاستماع لبرنامجه؛ لأنه اعتاد ذلك أو لأنه اتفق هو وأصدقاؤه على أن يصوتوا لصالحه، ولكن الأسوأ هو إجابة الفريق الثاني الذي يقاطع التصويت ويشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي "لا أهتم"، "لن نصوت"، أجوبتهم كلها ترمي إلى أننا نعيش حياة هادئة، آمنة إذ إن القرى تعيش رفاهية تامة مزودة بشبكة للإنترنت والفتيات فيها يتممن دراستهن وتم إصلاح الطرق فلم تعد الثلوج تعيق الحركة في تلك المناطق، أما النساء فلم يعدن يضعن أطفالهن في زريبة الحيوانات أو يمتن قبل الوصول لأقرب مستشفى. لا أحد ينام جائعاً أو حزيناً على أحد الأرصفة، نستقبل المطر بحفاوة؛ لأنه لا يشكل لنا أي فيضانات ولا يحصد أرواحاً لضعف البنية التحتية، لم نعد نسمع عن زواج القاصرات ولا أقسام مكتظة بالتلاميذ. لا يسرق الرضع من المستشفيات ولا ينتحر تلميذ؛ لأنه لا يملك كتباً ومحفظة كأقرانه. هذا هو السيناريو الذي يتبادر إلى مخيلتي كلما أخبرني أحدهم أنه لن يصوّت، كأننا حققنا كل التغيير المطلوب وأصبحنا نتمتع بانعدام البطالة والفساد والجهل والمخدرات. فلماذا نصوت ونحن بخير، الحياة وردية والعصافير تزقزق؟ إننا لا نصوت على الأفضل بل على من سيحقق نسبة خسائر أقل، كأشخاص كلهم كاذبون وماكرون سنختار من يكذب أقل من بينهم، من سيفي بوعد واحد من تلك الوعود "فالوادي يحمل بقطرات"، ونعد الوطن بأن نحقق السيناريو الذي ذكر ألا نجعل منه حلماً أو مشروعاً على الورق، نعده بأن يصبح لنا وطن! أنا شخصياً شاركت في الانتخابات الجماعية السابقة؛ لأنه حق منحني إياه وطني لأعبر عن رغبتي في تغيير طريقة عيشي، وسأشارك هذه السنة وأمنح صوتي أنا وغيري لتكتمل به صورة ناقصة كقطع من لعبة "puzzle" التي لن تتضح معالمها إن لم نضع أيدينا للصقها. صوّت لأنك بحاجة لذلك؛ لأنك بحاجة لتشعر برضا عن الوضع القائم، وأنك لا تجلس مكتوف الأيدي، بينما غيرك يحمل قضية ويشارك في هذه الانتخابات قلباً وقالباً، لا تجعل هذه الانتخابات تمر كغيرها، أوراق تغطي الشوارع وحملات للدعاية ورموز لا تمت للواقع بصلة. - الوطن لا يضيق بنا، بل نحن من نشغل مساحة عليه دون أن نقدم شيئاً، نحن من نريده أن يكون كاملاً، جاهزاً نعيش في كنفه، ونستهلك الأكسجين فقط يا درويش. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.