سيبادر أحدهم فور قراءة العنوان بوضع نفسه أمام هذا العنوان المثير، ويتساءل خلال عدة فيمتو ثانية: هل أنا فعلا لا أحب مديري؟ أم أنني أكره أسلوبه الإداري؟ أم أنني أنكر هذا وذاك، وأعيش حالة من الوفاق معه أو ربما مع إستايله الإداري! لن يقف العصف الذهني (العاطفي) عند هذا القدر إن كان أحدهم على خلاف مع مديره، وسيذهب أفقيا ورأسيا في جدل مع ذاته حول مصداقية حكمه على رئيسه المباشر ليصل في نهاية هذا العصف والعصر إلى الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أنني أحب من أحبني، وأبغض من أبغضني بمن فيهم سعادة المدير! هذا هو الواقع، وهذا هو (البوتوم لاين) في علاقتنا مع الآخرين! بالحب وبالحب فقط نخرق الأرض ونبلغ الجبال طولا! والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الحب أساس الحياة، فهذا رب العزة والجلال يقول في الحديث القدسي الذي أورده الإمام البخاري والإمام أحمد والبيهقي واصفا حبه لعبد من عباده (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ... الحديث)، كل هذا بفعل الحب ولا شيء غير الحب، وكل هذا في جانب الذات الإلهية تعالت علوا كبيرا .. وبالحب وحده لا سواه وصلت الإدارة إلى منتهاها، وخلد الكثير من الإداريين والقادة مواقف سيظل التأريخ يذكرها مدحا أو قدحا.. فبالحب الإداري مثلا استطاع المناضل موهنداس غاندي أن يملك أفئدة الهنود، فأعاد لهم هيبة ضاعت في ظل تعنت الإنجليز وسار بـ 80 ألفا منهم في ما عرف بـ(مسيرة الملح) عام 1930 إلى (داندي)، واستطاع بذلك الحب الإداري أن يجلس مع اللورد اوبروين فيما عرف باجتماع المائدة المستديرة التي قلبت الطاولة وما استدار منها واستطال على رؤوس البريطانيين! وبالحب الإداري أيضا وبالكاريزما الإدارية استطاع هتلر خلال 3 سنوات مع دول المحور أن يحتل معظم أوروبا وأجزاء واسعة من إفريقيا وشرق آسيا وجنوب شرقها مع الدول المطلة على المحيط الهادي وثلث السوفيت الاشتراكية وصولا إلى معاقل (ستالينغراد)، ولم يكن لهتلر النازي أن يصل إلى كل هذا لولا محبة أتباعه له. وبالحب الإداري ظهر الكثير من العظماء والناجحين هنا وهناك، وفي مجالات متعددة غير ما تعلموه، فهذا طبيب أحبه مهندسون فبات إداريا ناجحا بينهم، وذلك عسكري محبوب بات إداريا ناجحا في وزارة خارجية بلده، وثالث أستاذ جامعي محبوب بين مرؤوسيه بات إداريا ناجحا في ثكنة عسكرية أو وزارة غير تعليمية! وبعد أن نتأمل كل أو جل هذه الأمثلة التي تبرهن دونما شك على أن الحب وقود كل شيء بما فيها النجاح الإداري فإنه لا يمكن لنا أن نختم دون أن نذكر كل مدير في دائرته بأن ما لا يأتي بالحب بين المدير والمدار لا يمكن بحال أن يأتي بالتعسف الإداري لاسيما حينما يكون القانون سيد الموقف وصاحب اليد الطولى! نعم ربما تسمع من موظفيك ما يعجبك اتقاء لنفوذك الإداري، وحفاظا على موارد أرزاقهم التي كفلتها لهم حكوماتهم بيد أن إداريا يقف عند هذه العتبة من الفكر المتعنت ضد موظفيه لابد أن يدرك أنه الخاسر الأول في ميدان العطاء والانتماء لبيئة العمل وبالتالي الإنجاز الحقيقي وتحقيق الأهداف لرخاء البلاد وسيرورة التنمية. لقد أصبحت اليوم أكثر يقينا بضرورة مراجعة نظريات الإدارة بدءا بأبيها (فريدريك تايلور) ووصولا لآخر منظريها ممن نظر للإدارة على أنها علم أو فن أو كلاهما، بل إنني أصبحت أكثر إيمانا بأن الإدارة والحب توأمان لا ينفكان عن بعضهما، وحين يخفق مدير ما في إقناع موظفيه بالعمل الجاد فليعلم أنه حان الوقت لمراجعة قلبه تجاههم قبل معاتبتهم على إخفاقهم وقلة أدائهم، وحينها سيرى كيف أن هذا (الإكسير) العظيم كفيل بصنع المعجزات وتحقيق اللامتوقعات.