......... يسجل حضورا متواضعا هنا كل أسبوع أبعد ما يكون عن الصورة النمطية الضيقة الشائعة عنه.. التي ربما يصدقها هو عن نفسه أحيانا... *** حين ولجت إلى دار العزاء المقام في صوان بيت إحدى الفقيدات في حادث المعلمات الأخير.. كانت ترجف..! نظرت إلى حالة الحزن المخيمة على المكان برهبة من يرى نفسه مكان الميت ــ رحمه الله..! أصوات النسوة المعزيات عامرة بجمل مواساة وتصبير لأهل المتوفاة المفجوعين. «راح شبابها وتركت أيتاما في عمر الزهور....» خنقتها عبرة هذه العبارة تحديدا... ماذا يجب أن تفعل هي.. هل تضحي بوظيفتها ورزقها ورزق أسرتها لتأمن هذا الخطر المخيف..؟ معدل حوادث المعلمات والطالبات المتنقلات بين المدن باتت ظاهرة غير مسكوت عنها، فالجميع يعرفها، ويتناقشون فيها، والصحف تقاريرها، وتحليلات أصحاب الرأي فيها لم تقصر بتاتا.. لكن لا حياة لمن تنادي..! لا تزال معدلات المصائب تزيد والفقد أتعب قلوب الناس..! فكرت: إذا كانت هي المعلمة المتواضعة قد قرأت أكثر من دراسة علمية مفصلة لأسباب الحوادث ومكامن الخلل والحلول الممكنة للحد من جموح هذه المأساة.. فبالتأكيد حسب ما تتوقع أن من هم في موقع المسؤولية من إداريين ووزراء ومختصين في المؤسسات المعنية لا شك قد تناولوا هذه القضية من كل أبعادها.. فما الذي يعيقهم يا ترى عن التنفيذ؟ شعرت بصداع هائل يعصف برأسها، ويسرقها من سرحانها وقلقها ذاك. أنقذها مرور سيدة كبيرة في السن تصب القهوة... حدثتها وهي تمد يدها لها بالفنجان.. هل أنت أيضا مدرسة، هل كنت زميلة المرحومة؟ أومأت لها برأسها أي نعم... فغمرتها السيدة بوابل من كلمات الدعاء بالحفظ وطيلة العمر. ابتسمت وسرت في بدنها قشعريرة وهي ترى أمامها ما يؤكد معرفة الجميع أنها وزميلاتها في خطر..! «هذه السيدة الفاضلة لا تملك سوى الدعاء فكثر الله خيرها وجزاها خيرا، لكن البقية، أولئك الذين يملكون سلطة القرار والتغيير ما بالهم هم أيضا يكتفون بالدعاء ويسطرون أمامي ملحمة تواكل مؤسفة..!» .. حدثت حالها. قاطعها صوت بكاء والدة المعلمة الذي قارب الصراخ... شعرت بنبرة لوعته تقطع أحشاءها... ياااه كان الله في عون هذه الجدة التي فقدت ابنتها وحملت هم أحفادها.... شعور بالبؤس كبير اجتاح روحها لا يتوجب أن يقابله يأس وقنوط من رحمة الله... أيعقل أنه لا يوجد من يشعر أو يهتم؟! «هناك بالتأكيد من يهتم».. واست نفسها.. «وسينهض حتما للتغيير.. ما عليه سوى أن يتسلح بالشجاعة لمواجهة الفساد، والبيروقراطية، والانتهازية، والتنطع وكل ما يمكن له أن يعيق إصلاح في هذا الملف الوطني الخطير المتعلق بأرواح بنات الناس..... الطالبات يردن العلم، والمعلمات يجتهدن لإيصاله لهن.. المطلوب خطة وطنية يتشارك فيها أصحاب الشأن مع الجهات التنفيذية للإسراع بتحقيق معادلة التنوير تلك دون خسائر بشرية!! فالمنطق يقول ذلك.. والضمير يقول ذلك.. والتنمية تقول ذلك....... التنمية الإنسانية عماد ثبات الأوطان وعزتها وقوتها الكامنة..! هناك مقياس رضا إذا قل عن مستوى معين فيتوجب أن يكون مؤشرا لسرعة التحرك لإعادته لمستويات مستقرة في أضعف الإيمان..! «رحم الله الفقيدة وأسكنها فسيح جناته وألهم ذويها الصبر والسلوان وأعان أيتامها وزوجها على الثبات في هذا المصاب الجلل...» كانت عبارات وداعها لدار العزاء ملحقة بـ«وحسبنا الله ونعم الوكيل في من تجنى بإهمال واجباته وغفل عن مسؤولياته ولم يأبه بأرواح أهل وطنه وناسه بالقدر الكافي..!!».