لا يوجد مكان أكثر أمانا في هذا العالم مثل حضن الأم، وربما يكون المكان الوحيد الذي قد يلجأ إليه الإنسان، حين تعصف به هموم الدنيا وتلقي بأثقالها على عاتقيه. فلا توجد لحظة تضاهي لحظة الارتماء في أحضانها، ليشعر المرء على الفور بالراحة والأمان، فهي الشخص الوحيد الذي لا يمكن أن يخذلك أبدا. ولكن هذا لا ينطبق على جميع الأمهات، ففي اللحظة التي يموت حس الأمومة في قلب الأم.. فلا أمان. كل تغيير يطرأ على الإنسان، يبدأ من نقطة تحوّل تنقله من حال إلى آخر، فقد تصنع منه إنسانا أفضل أو أسوأ، وتلك النقطة لا تأتي فجأة، بل تسبقها مرحلة إعداد وتهيئة، تصاحبها إشارات وعلامات، يتم للأسف تجاهلها كثيرا في محيط الأسرة، والعمل، والجامعة أو المدرسة. وحين يصبح تحوّل الفرد خروجا كاملا عن القانون، أول من يستنكره ولا يصدقه المحيطون به، على الرغم من أنهم كانوا يلاحظون تلك الإشارات، ولكن لا يعيرونها ذلك الاهتمام، خاصة حين تأتيهم متخفية برداء الدين. فعلى سبيل المثال، لم يدر بخلد طالبات كلية التربية للبنات في بريدة، أن مسؤولة حلقات تحفيظ القرآن داخل الكلية "هيلة القصير"، ستكون أخطر امرأة بعد ارتباطها بتنظيم القاعدة، مثلهن مثل طالبات جامعة الملك سعود، اللاتي لم يتوقعن أيضا أن تكون أستاذة قسم أصول الفقه عبير الحربي على لائحة المطلوبين الأمنيين، ولم تتوقع أسرة "معلمة ساجر" ولا المدرسة التي كانت تعمل فيها، أنها ستهرب إلى مناطق الصراع منتصف العام الماضي، برفقة 3 من أبنائها، مع أنها سبق أن أُوقفت عامين في سجن ساجر، وعُرف حينها أنها متشددة، حين كانت تتحدث كثيرا عن المجاهدين، وفضل العمليات الانتحارية. وحين تتطرف المرأة، لا يقتصر تطرفها على نفسها، ولا تكتفي بإلقاء نفسها إلى التهلكة، بل تصطحب معها أبناءها وتُعدّهم لأسوأ من ذلك. فحين تسللت وفاء اليحيى الأستاذة في قسم أصول الفقه بجامعة الملك سعود، من الحدود اليمنية إلى العراق عبر سورية كان معها 3 من أبنائها، قادت مستقبلهم إلى مصير مجهول، لأنها قررت أن تهرب وتتزوج من قائد التنظيم آنذاك أبو مصعب الزرقاوي الذي أنجبت منه طفلا إضافيا، يعلم الله كيف سيكون مستقبله. وبعد أن قامت ريما الجريش، بالتحريض ضد الدولة، لم تكتف بهروبها بأبنائها الـ5، بل دفعت ابنها القاصر إلى المشاركة في القتال بسورية، في جنوح شنيع عن فطرة الأم الطبيعية، وحين هربت مي الطلق، وأمينة الراشد، من القصيم بعد أن جمعتا مبالغ مالية، وكمية من الذهب، لم تفكرا في الذهاب بنفسيهما فقط، بل اصطحبتا بكل أنانية 6 من الأطفال، غير مكترثتين بتعريضهم للخطر. وحين اختفت وفاء الشهري، زوجة نائب زعيم تنظيم القاعدة، من منزل أسرتها في 2009، اصطحبت معها أيضا أطفالها الـ3 إلى اليمن، واضطر زوجاها الأول والثاني إلى رفع عدد من الدعاوى يطالبان فيها باسترداد أبنائهما من اليمن. ليرتفع عدد الأطفال الذين قدمتهم أمهاتهم للتنظيمات الإرهابية إلى أكثر من 66 طفلا وطفلة دون سن العاشرة. فلم تخن تلك المتطرفات بلدهن فقط، بل خانت كل واحدة أمانة الله، حين قدّمن رغباتهن المنحرفة، على مصلحة أبنائهن والوطن. وحين ازدادت ظاهرة خروج النساء إلى أماكن القتال، ابتكرت عصابة المختلين أساليب جديدة، لم تكن معهودة في النمط الإجرامي، من حيث استخدام النساء، فلم تقتصر أدوارهن على التمويل وإدارة المواقع الافتراضية من منازلهن، أو تحت غطاء الأعمال الدعوية والخيرية والتعليمية، بل تم إسناد مزيد من الأدوار التنفيذية لهن، فبدأ ذلك الأمر يجذب مزيدا من النساء والفتيات اللاتي يعشن مهمشات في بيئة منعزلة، لا تخلو من الاضطراب النفسي والتشدد. فما إن يصطدمن بأي موقف حتى تنفجر نقطة التحول ليعلِنّ خروجهن عن القانون، معتقدات أنهن بذلك ينتصرن لأنفسهن، فيرتكبن حماقات تطيح بهن سريعا. تطرف النساء يعد أشد خطورة من تطرف الرجال، وتكمن خطورته في قوة تأثير المرأة بإقناع أبنائها وإخوانها، وسرعة إعدادهم للعمليات الإرهابية، فينبغي أن نأخذه كظاهرة تتزايد ببطء خبيث جدا. ففي منتصف أغسطس الماضي، تمكنت الجهات الأمنية من إعادة 3 نساء يحملن الفكر التكفيري، أثناء محاولتهن التسلل إلى أماكن الصراع، مصطحبات معهن 7 أطفال. وآخر متطرفة انضمت إلى القائمة الأسبوع الماضي، خلود الركيبي التي تم القبض عليها مع 17 آخرين أحدهم أخوها ناصر، إذ قامت بتجهيز حزام ناسف، ودفعت بأحد المتأثرين بالفكر التكفيري إلى تفجير نفسه في عملية انتحارية، ولكن بفضل من الله أحبطتها السلطات الأمنية. ولم يقف دورها عند ذلك الأمر فقط، بل أسهمت خلود في تجنيد ابنيها حمد، ونصار، وشقيقها ناصر، وقدمت الدعم المادي واللوجستي لعصابة المختلين "داعش". وهذا الأمر يشير إلى أن هناك تطورا في الأدوار النسائية داخل التنظيم، إذ بدأت بأدوار بسيطة تعتمد على النشر والتوزيع، ثم كبرت وتحولت إلى إعطائهن أدوارا قيادية. لا تنمو الأفكار المتطرفة من تلقاء نفسها، بل تولد في بيئة متشددة، فإذا نهشت فكر المرأة، نزعت من قلبها الرحمة، فإذا مات داخلها حس الأمومة، فلا أمان بعدها.