السيسي، ذلك الرجل الذي طل علينا وأصبح لنجمه بريق منذ عام 2012، منذ أن أصبح رئيساً لجهاز المخابرات الحربية، الرجل الذي كان يبدو عليه صرامة العسكريين ونمطيتهم، اختلف حاله ونمطه منذ أن أصبح على أعتاب الرئاسة، واكتمل التحول منذ أن أصبح رئيساً، فمن كان يحلم بالسادات ويُمني نفسه بالساعة الرولكس... تغيرت طريقة حياته وأسلوبه، بل وحتى طريقة كلامه، ليخرج علينا شخص لا نعرف من أين خرج، ونتمنى لو لم يخرج. فمن ظن نفسه مهيب الركن صدامياً ببزته العسكرية، أسدياً بعثياً بمجازره، ناصرياً كاريزمياً بخطاباته، لم يكن سوى قذافي يحمل كتابه الأخضر. خرج الرجل علينا بعد انقلابه ليحدثنا في خطاباته بأسلوبه الثوري الفريد، على طريقة الزعيم لعادل إمام، لم ينقصه غير أن يقول "الإمبريالية من الأمبرة والتوسعية من التوسع.. من أجل الثورة والشعب والجماهير العريضة، وعلى كل حال لا داعي للتعجل، فقد نرى تلك الجمل في أحد خطاباته القادمة، فالرجل ما زال في بداية حكمه ولا يبدو أنه ينوي الرحيل قريباً. ذلك الرجل الذي كان صامتاً مهيباً طوال فترة المُطاح به مرسي، فقد كان في الفترة القصيرة التي تولى فيها وزارة الدفاع شخصاً تقياً ورعاً، فهو من كان يبكي من خشية القرآن في صلاة الظهر، كما أخبرنا الإخوان، وهو الرجل الموثوق الـلي "زي الجنيه الدهب"، على حد تعبير مرسي، وهو المخلص الذي انحاز لصفوف الشعب، واهتم بمصلحة الوطن، كما رآه البرادعي والثوار حين وضعوا أيديهم في يده ووثقوا به؛ ليقوم بالانقلاب ويطيح بمن كان "هياخد السلم معاه فوق"، ليحصل هو على ذلك السلم. لقد كان السيسي جيداً، حقاً كان جيداً جداً طوال الفترة التي أطبق فيها على شفتيه.. وليته أبقاهما مطبقتين. بدأ السيسي في طريقه للرئاسة بخطابه الشهير الذي نستطيع أن نقول عنه آخر الخطابات المحترمة، كان ذلك الخطاب ليلة الثالث من يوليو/تموز، وأنا هنا لا أتحدث عن مضمون الخطاب، بل أتحدث عن مستوى الكلمات وطريقة تعبير الرجل ومستوى الأداء العام. وبعدها اتجه الرجل بخطاباته إلى منحنى ظريف، ذلك المنحنى الذي عوضنا قليلاً عن غياب باسم يوسف، وإن لم يكن يتسم بدورية حلقات البرنامج، ولكنها كانت مادة ثرية لشبكات التواصل الاجتماعي، فخطاباته أصبحت محل انتظار الكثيرين. ولكن الرجل كان صاحب نظرية اقتصادية غريبة نوعاً ما، فنظرية الرجل الاقتصادية تصب في جعبة ما نسمعه نحن كمصريين من السائلين، فهو صاحب نظرية "حسنة قلقة تمنع بلاوي كتيرة". وهناك عدة محطات مهمة في تلك النظرية التي بدأت بصندوق تحيا مصر، ولا نعرف أين تتوقف.. وهنا نستعرض بعضها: 1 - "هتدفع يعني هتدفع": ذلك التصريح الذي توعد فيه السيسي المصريين بأنهم سوف يدفعون، وأنه لو باستطاعته سيجعل من المتصل ومتلقي المكالمة يدفعان نقوداً مقابل المكالمة، كان ينقص السيسي أن يقول "شخلل عشان تعدي"، تلك الجملة التي ظهرت في فيلم "سلام يا صاحبي" من قاطع الطريق الذي لا أذكر اسم ممثله في الحقيقة. 2 - "اسألوا عني الجيش": نسأل مَن عن مَن!!! الرجل يحدثنا عن التقشف ويتوعدنا بالسبع العجاف، ويريدنا أن نسأل من ذادت مرتابتهم ومعاشاتهم أضعافاً مضاعفة في سنوات حكمه، كان يستشهد "الأربعين حرامي" عن أمانتهم فلا يجيدون غير "علي بابا" ليزكيهم ويتحدث عن شرفهم. 3 - "صبّح على مصر بجنيه"، تعد تلك محطة مهمة جداً في النظرية الاقتصادية للرجل، فهي المحطة التي كما نقول "خلع فيها السيسي برقع الحياء"، ولكن سيدي المشير ألا يكفيني أن أصبّح يومياً على سائس السيارات في الشارع، ألا يكفيني أن أصبّح على الموظف الحكومي لينهي معاملاتي الورقية، ألا تعتبر تصبيحتي على أمين الشرطة حتى لا يضعني في دماغه تصبيحة على مصر، سيدي المشير لقد أصبحت للتصبيحة ميزانية خاصة في راتبي. 4 - "لو قادر أديك هاديك من عيني": نحن لا نريد منك أن تعطينا، لكن حبا ًفي الله ألم يكفي ما حصلت عليه. 5 - "عندهم فلوس زي الرز": كما نقول في مصر يبدو أن "سرّك باتع" سيدي الرئيس، فالخليج الداعم الأول لك يعاني ما لم يعانيه من عقود، فالسعودية والكويت ولأول مرة منذ سنوات تعاني من عجز في الموازنة مصحوب بانخفاض أسعار النفط، ويبدو أن الرز عند الإخوة الخليجيين "شاحح". 6 - "سيبوا لي فكة مرتباتكم أنا عايزها"، عزيزي الاخ القائد المشير السيسي أن مرتباتنا بأكملها تعد فكة، إذا ما تمت مقارنتها بمرتبات السادة العسكريين والقضاة ورجال الشرطة، ولكن إن كنت مصراً على الحصول على مرتباتنا، فنحن لن نستطيع منعك على كل حال، لأننا بطبيعة الحال لا نريد أن نكون ممن قلت لهم "هتاكلوا مصر يعني". 7 - "انتم مش عارفين إنكم نور عيننا".. ولا أعرف سيدي الأخ القائد المشير ماذا كنت ستفعل إن لم نكن نور عينيك. أخيراً نصيحة لك سيدي الرئيس.. التزم بالنص المُعد لك ولتعلم أن ما تقوله على شاشات التلفاز وفي المؤتمرات "ما يصحش كده". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.