البعض ينتظر الرئيس الأميركي المرتقب الذي سيخلف أوباما في إحداث تغير ملموس في منطقة الشرق الأوسط يجلب معه الاستقرار، وهذا النوع من الانتظار لا نفع منه. إن أبرز المنتقدين للسياسة الأميركية الحالية هو دينيس روس (المبعوث السابق للسلام في عهد بوش الأب وكلينتون)، ورغم أن ما يقدمه من حلول في مقالاته لا يرتقي إلى مستوى إنهاء الأزمة، بل لإدارة الأزمة، إلا أن النقد الذي احتوته مقالاته توضح حقيقة الامتعاض في خارج وداخل الولايات المتحدة الأميركية لسلبية إدارة أوباما في التعاطي مع القضايا والأزمات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة حل القضية السورية بتعقيداتها التي أوشكت أن ترتبط بقضايا وملفات أخرى، مثل الصراع الروسي الأميركي حول جزيرة القرم وأوكرانيا، والبيئة الأمنية الاستراتيجية لروسيا، والمخطط الأميركي لتقليل النفوذ الروسي على سوق النفط في أوروبا، والأمر سيبلغ ذروته إذا تدخلت الصين بذات الطريقة الروسية، فتدخل قضية بحر الصين الجنوبي من ضمن معادلة الحل، كما أن الامتعاض يزداد عندما نجد أميركا تقر بأن إيران الراعي الأول للإرهاب، وبالمقابل لا تتعامل بحزم يتلاءم مع تصرفات النظام الإيراني غير الشرعية والمحفزة على انتشار الإرهاب. المرشحان للرئاسة الأميركية، ترامب وهيلاري كلينتون لا يبعثان على الأمل، ففي حال وصول ترامب لسدة الرئاسة الأميركية فإنه سيشكل أزمة مضافة، فهو لا يملك رؤية واضحة وموضوعية للدور الأميركي على الساحة الدولية، واقتراحه بسحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية مع إعطائها الحق في امتلاك الأسلحة النووية نموذج لذلك، والحديث أن الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات صحيح، ولكن الرئيس الأميركي يملك أدوات التأثير على هذه المؤسسات، والأمر لا يلزم التأجيل لأربع سنوات قادمة، دون دور أميركي حقيقي في حل أزمات الشرق الأوسط المعقدة، خاصة الأزمة السورية، أما هيلاري كلينتون فهي ليست بذات الاختلاف الكبير عن أوباما، وكتابها "خيارات صعبة" يجد فيه الباحث ضالته في طريقة تفكير هذه السيدة، ومع ذلك هناك أمل في أن تقوم هي بتغيير القواعد الاستراتيجية الأميركية الحالية في التعاطي مع قضايا منطقه الشرق الأوسط، لإحداث نوع من إعادة التوازن لا أكثر ولا أقل. إن اتفاقية الهدنة الأخيرة التي تمت بمباركة روسيا وأميركا لا تستهدف إنهاء الأزمة السورية، بقدر الوصول إلى إدارتها، للتقليل من آثارها، إضافة أن الهدنة ولدت في ظروف صعبه لم تسهم في بقائها على قيد الحياة طويلا. الحل الوحيد المتوافر هو أن تعيد المعارضة السورية طريقة أدائها سياسيا وعسكريا، فمن الناحية السياسية وجب توحيد الصفوف والاتفاق على مبادئ واضحة، مقرونا باقتناع بأن تحقيق هذه المبادئ يستلزم وحدة صف المعارضة سياسيا وعسكريا، وأن تكون تحت قيادة موحدة، والاتفاق على مستقبل واضح لسورية، وأن يكون انفصال تنظيم فتح الشام (النصرة) من تنظيم القاعدة ليس تنظيميا فقط كما حدث، بل وأيديولوجيا، لأن العلة لم تكن في المسمى أو الارتباط التنظيمي، بل في الارتباط الفكري مع القاعدة، ويبقى ما تحققه الفصائل المعارضة المسلحة على الأرض من نجاحات هو من سيقوي الجانب السياسي، فعليها أن تتخلى عن تكتيكاتها الخاطئة على الأرض، وبدلا من أسلوب المحافظة على الأرض التي تتنافى مع تكتيكات الحروب غير المتكافئة، عليها أن تعتمد على التكتيك الشهير لحرب العصابات "اضرب واهرب"، وهي ليست فكرة إبداعية جديدة، بل إنها واقع تم استخلاصه من تجارب تاريخية سابقة، فقد قال الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج في كتابة حرب العصابات: "يجب أن نراعي في حرب العصابات هذا المبدأ، أن كسب الأرض ليس سببا للفرح، وخسارة الأرض ليست سببا للأسف"، يأتي عامل الوقت الذي سيكون صاحب الدور الحاسم في إدخال النظام الإيراني وبشار الأسد وميليشيات الإرهاب التابعة لهم، وكذلك روسيا في حيرة، فالعدو لا يعرف مكانه، وأيضا متى وأين ستكون ضربته القادمة، وتبدأ مرحلة استنزاف طويلة، قد تؤدي إلى إحداث اختلال يرغم أميركا على التدخل وبكامل قوتها، فمن يقلب صفحات التاريخ سيجد أنه عندما كانت أميركا غارقة في حرب فيتنام وقللت من شأن الشرق الأوسط، كون الوضع القائم في حينه لا يضر بالمصالح الأميركية، وحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي سيكون على أساس الأمر الواقع، خاصة أن دول المواجهة العربية بدأت عاجزة عن فعل شيء، قام السادات بمفاجأة العالم بحرب أكتوبر 1973 التي كانت في جوهرها حرب تحريك، لا حرب تحرير، من هنا تحركت أميركا بكامل قوتها.