قال خطيب جامع الخير في قلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة أمس: إن سيرةَ نبيكم محمد (صلى الله عليه وسلم) بكل ما فيها من مواقفَ ووقائع هي محل تأمل وتدبر، تأمل يحرك القلوبَ، ويستثير الهمم، ويقودُ إلى العمل، وتدبر يزيد في الإيمان، ويُزكي الخُلقَ، ويقوِمُ المسيرةَ، إن الحب الصادق للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يستدعي الاستمساك بالأصول والتعلق بالحقائقِ، وإصلاح كل الشأن على سنة النبيِ وهديِه، علما وعملا، وعبادة وسلوكا «قُل إن كنتم تُحبونَ اللهَ فاتبعوني يُحبِبكم اللهُ ويغفر لكم ذُنوبَكم والله غفورُ رحيم» (آل عمران: 31). لقد كانت هجرته (صلى الله عليه وسلم) معلما بارزا وحدثا مهما في الإسلام، وكانت الهجرة مقدمة لنصر عظيم للمسلمين، لقد نجح رسول الله وصحابته وآل بيته من الخروج من مكة في اتجاه المدينة في العام الثالث عشر من البعثة، وتجاوزا كل الصعاب والعقبات التي وضعتها قريش في طريق هجرتهم، ليجدوا لهم الأنصار وقد فتحوا لهم قلوبهم قبل بيوتهم. لقد أذن الله لرسوله بالهجرة بعد أن أبرمت قريش خطتها وحاكت مؤامرتها لقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو نائم في داره، قال تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال: 30)، لقد خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلا بعد أن أمر علي بن أبي طالب بأن يتخلف عن السفر ويلبس بردته وينام مكانه، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع الصديق أبي بكر بعد أن جهز راحلتين ودفع بهما إلى عبدالله بن أريقط، وجهزت عائشة وأسماء ما يلزم من متاع ومؤونة للسفر. إن قصة الهجرة النبوية الشريفة طويلة ولا يسع المقام لسردها، فهي مليئة بالدروس والعبر ويكفي الفرد منا أن يقف عند هذا الفصل المهم ويتأمل ما فيه من دروس وعبر، يقول أبوبكر الصديق: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه؟!، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) (مسلم)، يقول الإمام النووي: (وفيه بيان عظيم لتوكل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في هذا المقام، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه). ومن أجل هذه المكانة للهجرة النبوية الشريفة جعلها الفاروق عمر بن الخطاب تاريخا لهذه الأمة، يحافظ بهذا التاريخ على هويتها، ويسجل أحداثها، ويسطر مجدها وعزها وانتصاراتها، ففي العام السابع عشر للهجرة جلس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مع صحابته ليستشيرهم في وضع تاريخ لهم، فأشير عليه بمبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) أو بموته أو بهجرته، فاختار الفاروق عمر عام الهجرة، ثم استشارهم في أي شهر؟ فقال بعضهم: رمضان، وقال آخرون: ربيع الأول، وقال بعضهم: شهر الله المحرم، فاختار المحرم وأجمعوا عليه، لأنه يلي شهر ذي الحجة الذي بايع فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) الأنصار على الهجرة، وقد اختير الأول من المحرم كما جاء عن السهيلي في الروض الأنف: وفي قوله سبحانه: «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أول يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ» (التوبة: 108)، فيه من الفقه: صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة. إن التاريخ الهجري تاريخ مرتبط بدين الأمة وهويتها وحضارتها، قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (البقرة: 189). جاء عن نبيكم محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (صوم يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية)، وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع). فاحرصوا -رحمكم الله- على صيام يوم قبله أو يوم بعده، مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون العاشر فقط، فرحا بنجاة موسى وقومه من فرعون وقومه. إن أمريكا وحلفاءها الروس وإيران وإسرائيل مازالوا يكيدون للمسلمين والعرب، فبعد أن دمروا أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وكادوا يطيحون بمصر وتونس والخليج، فإنهم مازالوا مستمرين في مشروعهم التدميري (الشرق الأوسط الجديد)، وقد رفعوا شعارات (العدل، والمساواة، وحقوق الإنسان) وهي في الحقيقة شعارات (التطرف العنيف، والإرهاب، والتوحش، والقتل، والتدمير). وقبل أيام أبطل الكونغرس الأمريكي فيتو الرئيس باراك أوباما ضد تشريع (العدالة ضد رعاة الإرهاب) وهو ما يعرف بقانون جاستا (JASTA)، الأمر الذي سيعطي الحق لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر من مقاضاة الحكومة السعودية ودول عربية أخرى، قانون يعيد المجتمع الدولي إلى صراع الغاب، فقانون جاستا يحاول أن يفرض هيمنته على دول العالم من دون مراعاة للحصانة السيادية للدول، ويكاد الكونجرس الأمريكي يصبح مجلسا تشريعيا للعالم وليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط!. إن قانون جاستا لا يستهدف الشقيقة السعودية فقط ولكن يستهدف كل الدول العربية والإسلامية، فهو مشروع مفصل على هذه الدول لتغيير هويتها وإعادة رسم خارطتها، فهل يحق للكونجرس الأمريكي أن يبتز دولا تناهض الإرهاب وتطارد المجرمين وتجفف منابع التمويل؟!.