من الاوهام الفاشية اعتقاد البعض ان الولاء للوطن، يتعارض مع الولاء للإسلام، وهذا وهم، لأن الإنسان ينتمي لأشياء كثيرة ولا ينفك عن الولاء لها، وتعدد انتماءات الإنسان وان اقتضت ان يفي لكل انتماء بما له من حقوق لا يستلزم تعارضا مع الانتماءات الأخرى. فالإنسان قطعا ينتمي لذاته ويعبر عن هويته وولائه لها كفرد، والفرد الإنساني محور لكل دوائر انتمائه فهو ينتمي لذاته اولا، وهذه الرتبة الأدنى لانتماء الفرد التي لا يمكن الغاؤها والا فإنه لا معنى له في المجموعة إذا لم يكن قائماً بذاته، والمسؤولية الفردية مرتبطة بذلك ونصوص القرآن والسنة لا تنفك عن إيضاح ذلك المعنى قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)، وقال تعالى:(وكلهم آتيه يوم القيام فردا) فالمسؤولية الفردية دالة على هوية للفرد في المجموعة التي ينتمي اليها أياً كانت وهي أدنى رتب الانتماء والولاء، أما الرتبة الأعلى فهي الانتماء الى الانسانية بكل مشتركاتها وهي إدراك الإنسان أن الله خلقه كغيره من البشر يشترك معهم في أبوة آدم قال رسول الله: «كلكم لآدم وآدم من تراب» ولا يتعارض كون الفرد ينتمي لنفسه، وينتمي إلى الإنسانية في مشتركاتها فكل ولاء لا يتعارض مع الآخر، فالإنسانية اشبه بعائلة ينتمي بعضها لبعض تسكن في بيت واحد هو الأرض، فالرتبة الأدنى من الانتماء هي انتماء الفرد لنفسه والرتبة الأعلى من الانتماء هي انتماء الفرد للإنسانية بكل مشتركاتها، وبين الرتبتين العديد من الانتماءات، فالفرد ينتمي لأسرته وينتمي لقبيلته وينتمي لشعبه وينتمي لوطنه وينتمي لأرضه وينتمي لدينه وينتمي للغته وينتمي للونه، وكل هذه الانتماءات لا توجب تعارضا بين ولاء الفرد فيها وبين الولاء للبعض الآخر، فأولويات الانتماء غير متعارضة الا من اراد فرض التعارض فيها اعتباطا او وهما، فالكلام حين يكون عن الأسرة فالأولوية للأسرة، وحين يكون عن المجتمع فالأولوية للمجتمع، وحين يكون عن الإنسانية فالأولوية للإنسانية، وحين يكون عن الأمة تكون الأولوية للأمة، فلا تغيب المسؤوليات الأخرى بل هي موجودة ولها حقوقها دون تعارض، فمتى وضع الإنسان في موضع الخيار بين الإيمان والكفر فلا بد أن يتمسك بانتمائه للإيمان. ومن الخطأ توهم أن الولاء للأسرة ببذل الجهد الأكمل في نطاق مصلحة الأسرة الصغيرة سيكون على حساب عمل الإنسان لخدمة المجتمع الأكبر، أو أن الوفاء بما يلزم الفرد في بلد معين سيكون على حساب الانتماء إلى الأمة. وهكذا ستجد الولاء لموقف أو فئة من فئات المجتمع، كالمرأة في قضايا المرأة والشاب في قضايا الشباب، والطبيب للأطباء، فالولاء للمهنة وولاء الجيل والولاء للجنس كلها صور موجودة للانتماء، لكنها لا تتنافى مع أشكال الانتماء الأخرى وإنما تتضمنها بالضرورة. ولعل الخطأ في اعتقاد التعارض بين الولاء للوطنية مع الدين سببه الشعور بوجود تناقض بين الانتماءات، وربما يكون هناك نوع آخر من الخلل أو الخطأ يتمثل في قصور المفهوم عندما نجتزئ الانتماء لألوان من المصالح القريبة الفورية، وهي مطلوبة، لأنها عمل مرحلي يحتاج إلى حجم كبير من العمل للانتقال من مرحلة إلى مرحلة، على أي مستوى من المستويات ففي مراحل معينة يكون الولاء للدعوة إلى الله وفي مراحل يكون الولاء للتعلم، كتعلم علم معين فالمتعلم لعلم الحديث مثلاً لا يتعصب لهذا العلم ويهون من شأن العلوم الأخرى، نعم من حقه أن يبرز أهمية علم الحديث ولكن ليس من حقه أن يتعصب له لدرجة أن يهون من أهمية العلوم الأخرى.