عنوان المقال هو عنوان كتاب جون بركنز وهو خبير اقتصادي دولي تخرج في جامعة بوسطن كلية إدارة الأعمال وبدأ حياته العملية في وكالة الأمن القومي ثم عمل في شركة تقدم استشارات لعدة دول، وقد عرّف نفسه أنه ضمن مجموعة من خبراء محترفين ويتقاضون أجوراً مرتفعة مقابل إقناع الدول بجدوى مشروعات تقوم شركاتهم بدراستها في الدول النامية، وتقوم شركات أخرى من نفس الدولة بتنفيذها بتكاليف عالية وقروض من البنوك ومنها البنك الدولي والبنوك العالمية. يقول في مقدمة كتابه: هذه القصة يجب أن تروى لأننا من خلال إدراك أخطاء الماضي نستطيع استثمار فرص المستقبل بشكل أفضل، ما في الكتاب هو قصة حقيقية عشت كل دقائقها، المناظر، الناس الأحاديث الدراسات والاستشارات، كتبت هذا الكتاب علنا نستفيق ونشرع في تصحيح المسار الذي تتجه إليه الحضارة الإنسانية، وحين ندرك كيف تستغلنا الآله الاقتصادية التي تخلق شهوة لا ترتوي لالتهام ثروات العالم وتنتهي بأنظمة تحتضن العبودية فإننا لن نقبلها، بل سنعيد بناء دورنا في هذا العالم الذي تسبح فيه أقليته في الغنى، وتغرق أكثريته في الفقر والتلوث والعنف، يجب أن نكرس أنفسنا للإبحار باتجاه التعاطف الإنساني والديمقراطية وإقرار العدالة الاجتماعية للجميع. المملكة بحاجة إلى مراكز علمية للأبحاث والتطوير والدراسات الاستراتيجية التي تبنى على حقائق علمية حتى تكون القرارات مدروسة من كل الجهات ومعروفة آثارها المختلفة ويبدو أن ضمير الكاتب قد صحا متأخراً، وكان يسأل نفسه دائماً كيف استطاع طفل نيوهامبشاير اللطيف أن يندمج في مثل هذه الأعمال القذرة فكتب أنه يجب الاعتراف بما قمنا به من أعمال، والاعتراف بالخطيئة هو بداية الخلاص، فليكن هذا الكتاب هو بداية خلاصنا، ليكن نبراساً يلهمنا الإخلاص في العمل، ويدفعنا إلى أن نحقق حلمنا في بناء مجتمعات متوازنة اجتماعياً يعيش فيها الإنسان وهو جدير بالثقة والاحترام. تحدث الكاتب في ثنايا الكتاب عن دول كثيرة عمل فيها بدأها بالإكوادور في أميركا الجنوبية حيث ساهم هو وزملاؤه في إفلاسها وارتفع حد الفقر فيها من 50 % إلى 70% من السكان، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم 50% من دخلها لسداد الديون، كما يتحدث المؤلف عن عدة دول تعمل فيها الشركات الأميركية المختلفة وحين تهدد مصالح الشركات الكبرى من قبل رؤساء الحكومات تتم تصفيتهم كما حصل لكل من رئيس الإكوادور خايمي رولدوس، ورئيس جواتيمالا أربنز المنتخب ديمقراطياً والرئيس البنمي عمر توريخوس، كما تحدث عن العراق وهي دولة تمتلك النفط والمياه والموقع والرجال والسوق الواسعة للمنتجات. تحدث الكتاب عن إيران في عهد الشاه وكيف أسهم الفساد والمشروعات التي دمرت البيئة وصفقات الأسلحة الضخمة على حساب التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة في سقوط الشاه وقيام الثورة، وقد تحدث عن دول كثيرة منها أندونيسيا والمملكة ودول أخرى في جنوب شرق آسيا يحسن الرجوع إلى الكتاب لمعرفة المزيد حيث لا تتسع مساحة المقال لسردها ولا حتى التأكد من مصداقيتها. ولم تكن الشركات الكبيرة تعمل في معزل عن حكومة الولايات المتحدة الأميركية وكان الرئيس ريجان من بناة الإمبراطورية العالمية وقدم خدمات جليلة لتلك الشركات، لقد وجدوا أنه الشخص المناسب للدور المرسوم له فقد كان ممثلاً قادماً من استوديوهات هوليوود يؤدي أدوارا ثانوية، يتبع الأوامر الصادرة من أباطرة المال والصناعة الأميركية، يستخدم في إدارته رجالاً يديرون الحكومة والشركات والبنوك من أمثال نائبه جورج بوش الأب ووزير الخارجية جورج شولتز ووزير الدفاع كاسبر واينبيرجر وتشيني وروبرت ماكنمارا، هؤلاء سيسعون لفرض سيطرة أميركا على العالم بكل ثرواته الطبيعية. إن أخطر الشركات هي تلك التي تقوم بدراسات تنتهي إلى التوصية بمشروعات مكلفة للغاية كما هو في تجارة الأسلحة، فالصفقة الأساسية لشراء المعدة سواء طائرة أو دبابة لا تمثل سوى حوالي 15% من قيمة الصفقة التي تمتد سنوات طويلة وتكلف مبالغ باهظة للصيانة وقطع الغيار والتطوير المستمر للسلاح ليواكب ما تقوم به الشركات من أبحاث وتطوير للبرامج. هذا الكتاب ترجم إلى اللغة العربية وطبع من قبل دار الطناني للنشر والتوزيع وهو جدير بالقراءة بنسخته الإنجليزية من قبل أصحاب القرار في المملكة وخصوصاً وزارة الاقتصاد والتخطيط وهيئة الاستثمار ومجلس الاقتصاد والتنمية، والتأكد من صدق ما يحويه من معلومات كثيرة توصف بالخطيرة أحياناً وتؤثر في استقرار الدول والتنمية فيها. المملكة بحاجة إلى مراكز علمية للأبحاث والتطوير والدراسات الاستراتيجية التي تبنى على حقائق علمية حتى تكون القرارات مدروسة من كل الجهات ومعروفة آثارها المختلفة والبعيدة المدى على كل نواحي الحياة في المجتمع، وتتوافق مع رؤية المملكة 2030، التي يعلق الجميع عليها آمالاَ كبيرة لتنويع مصادر الدخل ومحاربة الفقر والبطالة وتعزيز الشفافية وتفعيل الحوكمة والرقي بالخدمات لأخذ المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة. abdullah.sadoun@gmail.com