خلال 5 سنوات من نزاع مدمر، تتالت المآسي في حياة مراسل وكالة فرانس برس في حلب كرم المصري: من سجن لدى النظام إلى اعتقال لدى تنظيم الدولة، ومقتل والديه في غارة جوية، وصولا إلى حصار حلب وما يرافقه من جوع تحت وابل من القصف لا يرحم. يقول كرم المصري «عندما بدأت الثورة في 2011، كنت في العشرين من عمري. بعد شهرين أو 3، تم اعتقالي لدى فرع الأمن السياسي التابع للنظام. بقيت شهراً كاملا في الفرع من ضمنها أسبوع داخل زنزانة منفردة طولها متر وعرضها متر، في ظروف قاسية. بعد شهر، خرجت مستفيداً من أول عفو عام في 2011. بداية الثورة كانت عبارة عن تظاهرات سلمية، لم يكن هناك قصف.. الخطر كان يتمثل إما بالاعتقال وإما بالوقوع ضحية قناص في الشارع. في 2013، خطفت على يد تنظيم الدولة. كنت في سيارة إسعاف مع اثنين من رفاقي، أحدهما مسعف والآخر مصور. تم اقتيادنا إلى جهة مجهولة. كانت تجربة سيئة جداً، أسوأ من تجربة سجون النظام. كانت الظروف قاسية جداً جداً. بعد 6 أشهر، خرجت ورفيقي المصور بموجب «عفو»، أما رفيقنا الثالث، المسعف، فقد تمت تصفيته بعد 55 يوماً من الاعتقال. ذبحوه، قطعوا رأسه وصوروا العملية بالفيديو وعرضوه علينا. قالوا لنا: «هذا رفيقكما قطعنا رأسه وأنتم قريباً سيحصل لكما الأمر نفسه». خسرت عائلتي في بداية 2014. كنت لا أزال معتقلا لدى تنظيم الدولة. نزل برميل متفجر على بيتنا، تهدم المبنى بالكامل، لم ينجُ أحد من سكان البناية وبينهم أهلي. قبل الثورة، كانت حياتي عادية جداً وبسيطة جداً. كنت طالباً في جامعة حلب أدرس الحقوق. كان لدي أهل، وكنت ابنهم الوحيد. لقد خسرت كل شيء، خسرت عائلتي، خسرت جامعتي. أحنّ خصوصاً إلى أهلي، إلى أمي وأبي، خصوصاً إلى أمي التي أتذكرها تقريباً كل يوم، وأراها أحياناً في أحلامي. حياتي منذ أن بدأ القصف على حلب مجرد هروب ومحاولة للبقاء على قيد الحياة. كما لو أنني أعيش في غابة وأسعى إلى أن أبقى حياً لليوم التالي. هروب من القصف، هروب من البراميل.. عندما تكون الطائرات في الجو، أحاول الهرب إلى بناية بعيدة. وعندما يبدأ القصف المدفعي أنزل إلى مدخل الأبنية. قبل الحصار، كنت أعتمد على محلات بيع الطعام الجاهز. مع الحصار، كل هذه المحال أقفلت. لا أعرف كيف أطبخ. يمر عليَّ أحياناً يوم كامل آكل خلاله وجبة واحدة أو لا آكل. أجول في حلب الشرقية منطقة منطقة حتى أجد علبة مرتديلا أو ما شابه. قبل الحصار، كنت أمضي يومي خارج المنزل أبحث عن مواضيع لتصويرها. مع الحصار، لم أعد أقوى على الحركة كثيراً، لأنني أشعر بالجوع بشكل كبير، صرت ألازم البيت أوقات طويلة. مشاهد المجازر، الأطفال تحت الركام، الجرحى، الأشلاء.. كلها باتت أموراً عادية. أتذكر في نهاية 2012، عندما رأيت رجلا رجله مقطوعة، أصبت بدوار وسقطت أرضاً. فقدت وعيي ولم أتحمل رؤية الدم. اليوم، عندما أرى الأشلاء والدم، كأنني لا أرى شيئاً. بات أمراً طبيعياً بالنسبة إليَّ.;