كانت الساعة تشير إلى ما بعد الثالثة من عصر الجمعة عندما دخلت إلى "دو بيتو"، وهو مطعم مقام على الطراز القديم يقع في أحد أحياء ريو دي جانيرو. كان المطعم يعج بالزبائن الذين جاءوا ليتمتعوا بتناول طعام الغداء بشكل بطيء وهادئ. كان جلين جرينوولد جالساً في الزاوية وهو ينظر إلى جهاز الكمبيوتر المحمول بعيون نصف مفتوحة وغاضبة. كان يرتدي قميص تي شيرت وسروال سباحة مخططاً بخطوط طويلة ويضع زوجاً من الصنادل في قدميه، وهي أشياء باعثة على الراحة بسبب أجواء الصيف الحارة التي لم تمر على ريو دي جانيرو منذ عدة عقود – كما أرتدي أنا أيضاً النوع نفسه من السراويل القصيرة. جلين جرينوولد يعتبر المراقبة الأمريكية للإنترنت تدور حول أمور تزيد كثيراً على محاربة الإرهاب. بوب وودوارد (بالقميص الأبيض) وكارل بيرنشتاين، الصحافيان اللذان فجرا فضيحة "ووترجيت" التي أطاحت بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون. منذ اليوم الذي التقى فيه إدوارد سنودِن، المحلل السابق في وكالة الأمن القومي في حزيران (يونيو) الماضي، حافظ غروينوولد على نظام عمل يستمر 16 ساعة في اليوم، وهو يمضي هذه الساعات في تمشيط آلاف الوثائق التي مررها سنودِن، ويكتب عشرات المقالات لصحيفة "الجارديان" وصحف أخرى، ويهاجم نقاده على "تويتر"، وينشغل في إنشاء مشروع إعلامي جديد بدعم من أحد أصحاب المليارات. ولذلك أصبح جرينوولد من خلال هذه العملية ربما واحداً من أشهر الصحافيين في جيله. سمعته في الولايات المتحدة متباينة إلى حد ما نتيجة لطريقته اللاذعة في النقاش السياسي، لكنه يعتبر في أجزاء من أوروبا وأمريكا اللاتينية تجسيداً جديدا لبوب وودوارد وكارل بيرنشتاين. يعيش جرينوولد البالغ من العمر 46 عاماً في ريو دي جانيرو منذ عشر سنوات تقريباً، أي منذ أن التقى في هذه المدينة البرازيلية في يوم عطلة بديفيد ميراندا. يقول جرينوولد عن هذا المطعم: "كان هذا هو المكان الذي التقينا فيه لأول مرة قبل ثماني أو تسع سنوات. كنا نقيم على بعد مربعين من المباني عن بعضنا بعضا، وكنا دائماً نأتي إلى هنا. ثم قاموا بإجراء هذه التحديثات الهائلة على هذا المطعم، فامتنعنا عن الحضور إلى هنا لفترة امتدت عدة سنوات. لكننا عدنا ثانية لزيارته، والطعام كان رائعا"ً. أخبرني جرينوولد أنه حضر إلى هذا المكان قبل عدة ليال. وفي مناسبة تبين المركز الجديد الذي وصل إليه جرينوولد بوصفه شخصية يسارية مشهورة، قام الممثل والكاتب المسرحي، والاس شون، بدعوته في العام الماضي لمشاهدة مسرحيته "ذي ديزيجنيتد مورنر"، التي كانت تعرض في ذلك الحين في أحد مسارح نيويورك، وهي مسرحية تتحدث عن تقلص المساحة السياسية في بلاد كانت في يوم ما حرة. وبما أن جرينوولد لم يسافر إلى الولايات المتحدة منذ تفجرت قصة سنودِن، حضر شون إلى ريو دي جانيرو ليقدم عرضاً له لمشاهدة المسرحية. يقول جرينوولد عن هذه المسرحية التي مُثلت على مسرح جرى استئجارة "إنها عمل مذهل ومثيرة للتفكر". وبعد ذلك دعا جرينوولد الممثلين وفريق العمل في المسرحية إلى مطعم دو بيتو تعبيراً عن شكره لهم. وعندما بدأنا بفتح قائمة الطعام، فوجئنا بوجود طعام برازيلي غريب. الطعام الخاص الذي يقدم هنا يتضمن لحم سيرلوين ستيك مع البطاطا والأرز، وطعاما برازيلي تقليديا يعرف باسم فيجوادا، وهو مكون من اللحم والفاصوليا السوداء ولحم الخنزير والبقر والنقانق. كل هذا يمكن أن يكون مسيلاً للعاب لو قُدم غداءً في فصل الشتاء، لكن الحرارة في الخارج كانت 37 درجة مئوية، وحتى سكان ريو دي جانيرو يشتكون من هذه الحرارة العالية. يقول جرينوولد معلقاً على الطعام "في يوم مثل هذا اليوم، لو تناولتَ مثل هذه الوجبة وأنت في منتصف ما بعد الظهيرة، فمن الممكن أن تنهار في الشارع وتفقد وعيك. طلب كلانا الطبق الأول نفسه، وهو حلقات الحبار والجمبري المقليان بعجينة جوز الهند، وكان قد سبق ذلك تقديم صحن كبير عليه خبز بالزيتون والجبن ومعجونة التونا. ثم شطفنا حلقنا بعلب من المشروب البرازيلي الخفيف "جوارانا" المشتق من فاكهة أمازونية، وهو العصير الذي أدمن كلانا عليه. شخصية عدوانية لقد تناولت هذا الغداء مع قدر معين من الخوف. على الإنترنت تظهر شخصية جرينوولد وقحة لا تحترم الآخرين وتستقوي عليهم، وهو ميال للسخرية أثناء النقاش، خاصة عندما يستجيب لصحافيين من المنظمات ذات الاتجاه السائد، من أمثالي الذين يؤمنون بمبادئ سياسية يمكن أن تكون قريبة فوق الحد من سياسة المؤسسة الحاكمة. وبعد أن نشرت عدة صحف، منها "فاينانشيال تايمز"، تقريراً في العام الماضي عن ادعاءات للحكومة الأمريكية تناقضت مع جزء من أحد مقالاته، نشر على تويتر رسالة على “#ServileDCJournalists”. لكن حين تقابله تجده آسرا وله ضحكة تصل أحياناً إلى حد القهقهة، وفي الوقت نفسه تأتي إجاباته عن الأسئلة بعد إمعان في التفكير، بخلاف ما توحي سمعته. وهو يقول: "يكون الناس أحياناً غير متأكدين مما سيحدث معهم، إنهم يعتقدون أنهم سيلاقون هذا الغبي جداً وأنه سيصرخ في وجوههم". على الأقل بعض العربدة والتهديد استراتيجية مقصودة. جرينوولد هو ذلك الصحافي الشبيه بالشخص الذي علم نفسه بنفسه. كان وهو طالب في الثانوية في جنوب فلوريدا بطلاً في النقاش، وكان يعمل في مهنة المحاماة في الشركات قبل أن يبدأ مكتبه الخاص في تولي القضايا الدستورية والحريات المدنية – وقد دافع عن نازيين جدد في قضايا حول التعديل الدستوري الأول. وبعد أن تعب من العمل في القانون، أصبح رائداً في استخدام الإنترنت في كسب عدد كبير من الجمهور لتعليق سياسي قوي، وهو يقول "الطريقة التي دخلت فيها النقاش العام كانت غير تقليدية إلى حد كبير. لم أحصل على عمودي الصحافي في "نيويورك تايمز"، بل كونتُ عمودي الصحافي بواسطة مدونتي "بلوج سبوت". لكي تخترق الحواجز ويُسمع صوتك وتُجبر الشخصيات الإعلامية على الاستجابة، يجب أن يكون هناك كثير من العدوانية. لدي الآن منصة أكبر مما كان لي قبل سنوات عديدة، لذلك على الأرجح يجدر بي أن أعدل من تكتيكاتي أكثر قليلاً. أنا لست بحاجة لأكون لاذعاً أو عدوانياً جداً في تعليقاتي، لكن أنت لا تكون دائماً متأكداً من أن موقفك تغير. أنا ما زلت أعتقد أني شخص من خارج المهنة لا يعمل مع صحيفتي نيويورك تايمز أو واشنطن بوست، ولذلك علي دائماً أن أتحدث بصوت عال وأحياناً بصوت قاس. ذلك جزء من شخصيتي. أنا أتمتع باصطدام الأفكار. وأنا لا أتطلع لأن أكون محبوباً منهم (أي من صحافيي واشنطن) لذلك تأتي لذاعة اللسان إلي بسهولة". رد كثير من الشخصيات الإعلامية هذا البغض إليه بمثله وأكثر منه، وهي الشخصيات التي تكون عادة موضوعة في أقصى نهاية غضبه، أو الشخصيات التي تشعر بالحسد وهي تشاهد نجمه يصعد بحدة في الأشهر السبعة الأخيرة. ربما لا يزال جرينوولد بطلاً خارجياً في الصحافة، لكنه يعتبر الآن في طليعة واحدة من أكبر مشاريع الإعلام الباذخة التي دُشنت حتى الآن، إنه "فيرست لوك ميديا" First Look Media، وهو مشروع مؤسس موقع إي باي، بيير أوميديار، الذي يكلف 250 مليون دولار، حيث ضخ أوميديار بالفعل الشريحة الأولى في الشركة وهي 50 مليون دولار. وقد أظهر فيديو في الشهر الماضي أوميديار الذي قدرت مجلة "فوربس" ثروته الصافية بـ 8.5 مليار دولار، وهو يتحدث عن الشركة بعبارات غير واضحة، الأمر الذي يدل على أنها ما زالت فكرة ناشئة قيد التطوير. واليوم يوفر جرينوولد قدراً أكثر قليلاً من التفاصيل عن المشروع، فهو يقول "ستقوم الشركة بدعم سلسلة من المجلات الرقمية شبه المستقلة، وهي المجلات التي سيقوم صحافي أو فريق من الصحافيين بتكوينها وتشكيلها". التعرف على سنودِن ويعمل جرينوولد الآن مع لورا بويتراس، وهي مخرجة أفلام وثائقية عرَّفته على سنودِن، وهما يعملان معاً على أولى هذه المجلات وهي "ذي إنترسيبت" The Intercept. وقد دشنت هذه المجلة بمقال هذا الشهر حول كيفية استخدام نشاط التجسس الذي تقوم به وكالة الأمن القومي لدعم ضربات الطائرات بدون طيار "الدرون" ضد إرهابيين مفترضين. وستعكس المواضيع التي ستركز عليها المجلة اهتمامه بالحريات المدنية والخصوصية، وقد نشرت تقارير حول وكالة الأمن القومي، وهو يقول إنه لم يقطع بعد نصف الطريق من عشرات الآلاف من الوثائق التي أعطاه إياها سنودِن "ستكون هذه المجلة شبيهة بالمنفذ الإخباري، وسننشرها كل يوم مع المواضيع الإخبارية. سأكتب فيها كل يوم عمودي الصحافي الخاص بي، وكذلك سننشر المقالات بصفة يومية. وسيوجد لدينا كتاب ضيوف لتولي صفحة التحرير. ستكون منظمة إعلامية قائمة بذاتها". أما المجلة الرقمية الأخرى وهي "فيرست لوك" First Look فستكون مستقلة "لكنها ستكون تحت الهيكل التحريري نفسه، ولذلك سنشرك محامين، ومحررين فرعيين وجهاز فني". وهو يشير إلى أنها يمكن أن تكون شبيهة بمجلة "جوكر" من حيث احتوائها على مواقع على الشبكة قائمة بذاتها، وستشارك المواقع وظائف هذه الشركات. وبالنظر إلى المبلغ النقدي الكبير الذي سيرمي به أوميديار في هذ المشروع، فسيكون من الأشياء الغريبة أن نرى قلة معرفته بجرينوولد. يقول أوميديار "إنه ربما حدثت بعض المداخلات معه على "تويتر"، لكنهما لم يتحدثا أبداً مع بعضهما بعضا قبل اقتراح أوميديار للفكرة. وسيكون لدى سياسات المنظمة الجديدة إحساس يتميز بالاتجاه نحو اليسار. أما الشخص الذي سيكون له دور إلى جانب جرينوولد وبويتراس، فهو الاسم المعروف الآخر الذي وظفه أوميديار، وهو جيريمي سكاهيل، الناقد الشرس لاستخدام إدارة أوباما طائرات الدرون". سكاهيل صحافي مطبوعات، صنع فيلماً وثائقياً ليرافق كتابه الذي نشره عام 2013 تحت عنوان "الحروب القذرة"، وهو الفيلم الذي رشح لإحدى جوائز الأوسكار. أما نوايا أوميديار الأبعد من ذلك، فهي غير واضحة حتى الآن. يقول جرينوولد عن صديقه أوميديار "إنه لا يريد تكرار ما فعله الآخرون. إنه لا يريد أن يقلد نيويورك تايمز، أو واشنطن بوست. كان باستطاعته شراءهما إذا كان هذا ما يريده، لذلك أنا مقتنع بأنه يريد شيئاً مختلفاً بصورة أساسية. تفرض عليه رؤيته لما يريده هذا الالتزام الجاد بإخراج صحافة مستقلة ومنافسة. اللافت للنظر هنا هو أن بيير سينتهي المطاف به في تمويل الناس الذين لا يستطيع السيطرة عليهم، وذلك عن قصد". وعلى الرغم من أن الصحون التي طلبناها كانت مقبلات، إلا أنها كانت بكمية كبيرة. وبينما كان يقوم جرينوولد بأغلب الكلام، كنت أشق طريقي في صحن الحبار في الوقت الذين كان فيه جرينوولد يتولى الحديث ويقضم من طبقه. وعندما انتهينا من الطعام وتم تنظيف الطاولة، طلبت قهوة اسبريسو، بينما طلب جرينوولد كوكا كولا دايت. العلاقة بـ "الجارديان" يقول إنه حين ترك "الجارديان" في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 كان على علاقة حسنة معهم، وهو يثني كثيراً على الطريقة التي تعاملت بها الصحيفة مع موضوع سنودِن. وقال "كانوا يتحلون بشجاعة كبيرة بالاستمرار في النشر. بصورة عامة شعرتُ أني كنتُ قادراً تماماً على القيام بكل ما كنتُ أريد القيام به في "الجارديان، رغم أن الأمور تغيرت قليلاً حين بدأت الحكومة البريطانية تتصرف مثل الزعران وتتبع أسلوب الترهيب، بما في ذلك التدمير الكامل لأجهزة اللابتوب (في يوليو 2013 أُكرِه موظفو الجارديان على إتلاف جميع الأقراص الصلبة التي استُخدِمت لتخزين مستندات سنودِن) ثم أخذت تهدد بإقامة تحقيق جنائي ضد الصحافيين البريطانيين الذين يعملون في "الجارديان". وبطبيعة الحال الطريقة التي احتجزوا بها ديفيد في هيثرو". (في أغسطس احتُجِز ميراندا لمدة تسع ساعات في مطار هيثرو بموجب قانون الإرهاب. وصودر جهازه اللابتوب ومعدات أخرى قبل أن يطلَق سراحه ويُسمح لها بالطيران إلى البرازيل). ويظهر الجانب الجارح في جرينوولد حين يتحول الموضوع إلى أحد كتب "الجارديان"، بعنوان "ملفات سنودِن" من تأليف لوك هاردينج، الذي نشر في أوائل شباط (فبراير). يقول "هذا الكتاب عبارة عن هراء. إنهم يدَّعون أنهم يروون القصة الداخلية لإدوارد سنودِن من قبل شخص لم يلتق به قط، ولم أدركَ أنه كان يحاول أن يجعلني أكتب كتاباً باسمه. قطعتُ المقابلة حين أدركتُ ماذا كان ينوي أن يفعل". في موعد الغداء، كان جرينوولد قد قرأ مقتطفات فقط من كتاب هاردينج، الذي يرى أنه يركز أكثر مما يجب على بعض التعليقات الشبابية المغْفلة التي وضعها سنودِن على الإنترنت. بعد ذلك، وبعد أن أن قرأ الكتاب بكامله، أخبرني في رسالة إلكترونية أنه لم يحول سنودِن إلى كلام فارغ. استغلال جوليان أسانج لكن في موعد لقائنا كان من الواضح أنه غاضب من الكتاب. ويقول "من الأمور التي لا أطيقها فعلاً حول الجارديان هي أنهم استخدموا جوليان أسانج وموقع ويكيليكس واستفادوا فائدة جمة من نشر المواد (البرقيات الدبلوماسية التي سربها برادلي مانينج) ثم تحولوا تماماً ليصبحوا في طليعة من يصفون أسانج بالشيطان". لدى جرينوولد كتابه الخاص عن سنودِن، الذي من المقرر أن ينشر في نيسان (أبريل)، وسيكون أول محاولة له ليشرح ما الذي يمكن أن نخرج به من فضيحة وكالة الأمن القومي. ويعتبر نطاق البيانات التي تجمعها الوكالة مذهلاً، مثلما هي الجرأة التي تُتَّهم بها بالتدخل في شركات التكنولوجيا. لكني أرى أن إحدى المشكلات في التسريبات هي أن المواضيع التي تثير أسئلة كبيرة حول الإساءات إلى الخصوصية اختلطت بالمقالات الأخرى التي تبدو أنها لا تزيد شيئاً يذكر عن كشف الأساليب المعهودة في التجسس – بما في ذلك الأشياء التي يمكن أن يتوقع كثير من الأمريكيين أن أجهزة مخابراتهم تقوم بها. رد جرينوولد يأتي مشاكساً مثلما أنه مفاحئ. "الغالبية العظمى من المواضيع التي يستشهد بها الناس على تمادي الأجهزة تأتي من نيويورك تايمز أو واشنطون بوست، وليس مني أو من الجارديان" وذلك في معرض إشارته إلى المقالات التي كانت تبحث في الطريقة التي كانت وكالة الأمن القومي تراقب بها مقاتلي طالبان في باكستان، أو جهودها في مراقبة الاتصالات في إيران. ويضيف "وهذا ينطوي على مفارقة بالنظر إلى أننا نحن الذين نُصوَّر على أننا الأشرار". لكن النقطة التي يبدو فيها جرينوولد أقل إقناعاً هي حين يتوسع في انتقاده وكالة الأمن القومي. لقد تقدم بالحجة، من خلال المقابلات والظهور على التلفزيون، التي مفادها أن المراقبة الأمريكية تدور حول أمور تزيد كثيراً على محاربة الإرهاب وأنها جزء من مجهود منسق أوسع من قبل الحكومة لتحقيق "السيطرة الاقتصادية". مع ذلك الأمثلة التي يستشهد بها، مثل التنصت على أحد المؤتمرات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية، تبدو أقرب إلى التجسس التقليدي منها لتكون جبهة جديدة في التجسس الإلكتروني. وفي حين أن أحد الأجزاء اللافتة للنظر بقوة في تسريبات سنودن هي الطريقة التي تم بها اختراق قطاع التكنولوجيا الأمريكية من وكالة الأمن القومي، إلا أن جرينوولد يظل مع ذلك يبدو ساذجاً حول الطريقة التي تعمل بها الصين حين يشير إلى أن الروابط بين قطاع الشركات والحكومة الأمريكية لا تختلف كثيراً عن الروابط في الصين. شركاء في الجريمة وقبل عدة أيام من موعد غدائنا، أشار جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الأمريكية، إلى عدد من الصحافيين الذين تلقوا مستندات من سنودِن على أنهم "شركاء في الجريمة"، في حين أشار مسؤولون كبار إلى أن جرينوولد يبيع مواد مسروقة. لم يعد جرينوولد إلى الولايات المتحدة منذ أن التقى سنودِن، لذلك سألته إن كان يعتبر نفسه الآن "منفياً". يجيب "ليس هناك دليل على أن الحكومة الأمريكية ستعتقلني، بالتالي أظن أن إطلاق هذا اللقب علي يعتبر من قبيل الميلودراما. لكن كل محام تحدثتُ معه على مدى الأشهر الستة الماضية وكل مستشار له علاقات مع شخصيات سياسية قال لي إن فرصة حدوث ذلك في حال عودتي أقل من 50 في المائة، لكن ليست غير واردة. إن دولة الأمن القومي مستميتة للحصول على شخص تعاقبه على ما حدث". نطلب الفاتورة، في الوقت الذي يسارع فيه جرينوولد لمقابلة أخرى. بالنظر إلى ذوق جرينوولد وميله للدعاية لنفسه، أسأله إن لم يكن فيه جزء يستمتع فعلاً بمعركة قضائية مع الحكومة الأمريكية حول ما يشكل الصحافة؟ يقول "من السهل أن تقول بالمجرد إنها معركة رائعة، لكن تكلفة خسارة هذه المعركة ستكون هائلة. لذلك عليك أن تشعر أنك مستعد بقدر استطاعتك. لكني من حيث المبدأ سأعود، في وقت ما خلال السنة المقبلة. لن أكون منفياً".