تحدثنا في المقالين السابقين عن محاضرة معالي الوزير الجبير في أنقرة التى كانت بعنوان: (العلاقات التركية - السعودية، نهج تعاوني في منطقة الشرق الأوسط المتغيرة) وتساءلنا في ختام المقال الأخير عن ماهية ردة فعل من الحضور التركي بشأن تحذير الجبير من السياسات الإيرانية وتشاؤمه من أي فرص لأن تكون إيران دولة مسالمة؟ وكيف قرأت النخب التركية رسالته من قلب العاصمة التركية؟ بداية بدأ الوزير محاضرته بقوله (أشكركم جزيلا على دعوتكم لي وأنا معكم هنا لتقييم العلاقات التركية - السعودية ولأتحدث عن السياسة الداخلية السعودية ومن ثم سأتعرض إلى المصاعب الإقليمية، وأواصل الحديث عن العلاقات التركية-السعودية.. بعد ذلك، سوف أرحب بالإجابة عن أسئلتكم)، وهنا كان توقع الحضور التركي أن التركيز سيكون على العلاقات الثنائية بشكل أوسع، خاصة ان الحديث عن العلاقات بين أهم وأكبر وأقوى دولتين في المنطقة، لكن تحويل الوزير جزءا كبيرا من الحديث عن إيران جعل الكثير من المختصين الأتراك يتساءل عن أسباب ذلك؟ ولماذا تكون إيران مسيطرة على حوار وزير خارجية سعودي في العاصمة التركية؟ ألا يعتبر هذا تقليلا من شأن السعودية وتركيا البلدين الكبيرين؟ بشكل عام لم تلق المبررات والأسباب التي ذكرها الوزير الجبير حول تورط النظام الإيراني في الأعمال الإرهابية التي نفذها تنظيم (القاعدة) في المملكة وشروحات الوزير حول أبعاد الدور الإيراني في المنطقة، الصدى المنتظر أو التضامن المرجو من غالب الحضور الأكاديمي التركي. وقد انعكس ذلك ايضا من خلال نوعية التغطية الإعلامية والأسئلة التي وجهها رئيس المركز إلى الوزير والتي ركزت فقط على المواضيع التي تشغل الرأي العام التركي وسؤال لرئيس المركز الشخصي حول ماذا يجب أن تفعله القوى الإقليمية مجتمعة لمحاربة الفوضى في المنطقة وهنا المقصود (المملكة وتركيا وإيران). ليس سراً أن هناك حالة من القلق والترقب لدى الأوساط السياسية المحافظة في تركيا والتى تدعو انقرة للابتعاد عن الانغماس في ساحة التوتر (السعودي - الإيراني) خاصة أن هناك واقعا جيوسياسيا جديدا في المنطقة يتشكل بعد نجاح الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وتحسن علاقات طهران مع الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي وتحول العلاقات الإيرانية- الروسية لما يشبه التحالف الثنائي، لذا تتنامى الدعوات العلنية التركية لتعزيز العلاقات مع طهران، وتعزيز علاقات الجيرة الطيبة والتعاون معها وفق أسس مصلحية وواقعية مع تحييد أي خلافات إقليمية أو ايديولوجية. صحيح أن هناك تيارا في تركيا سعيد بما يسميه (السياسة السعودية الصقورية والحازمة تجاه إيران) ويشجع على تبني الرياض مواجهة المشروع الإيراني والعمل على ايقاف تمدده، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تتخلى تركيا عن المزايا الاقتصادية والسياسية التى تأمل قطفها من نتائج ما بعد الاتفاق النووي الذي كان لتركيا دور اساس فيه خصوصا الاعوام بين (2009- 2011) وهذا الأمر انعكس فعلياً على اولويات الاهتمام السياسي والاقتصادي التركي تجاه الجار الإيراني بدلاً من الاهتمام المكثف سابقاً بالجوار العربي. ختاماً وبعد مغادرة معالي الوزير وتوديعه المركز المضيف كان قول احد الاساتذة المتخصصين في الشأنين السعودي والخليجي: (وزيركم بذل جهدا سياسيا وإعلاميا ممتازا، لكن يجب أن تؤمنوا بأن مواجهتكم إيران تتطلب أكثر من جهد وزير، ونحن ننتظر ان نرى ملامح المشروع السعودي بخطواته على الأرض) فهل سنسمع قريباً عن ملامح المشروع السعودي في مواجهة إيران بعيداً عن المواجهة الإعلامية والتصريحات السياسية؟.