تحقيق: نجاة الفارس اعتبر عدد من الكتّاب النتاج الأدبي الأول أو باكورة عمل الكاتب، كالمولود البكر، يفترض أن يعتز به الكاتب، فقمم الإبداع أحياناً تكون في الإصدار الأول، فالمهمة صعبة وهي مسؤولية كبيرة، ولا بد للمبدع أن يحرص على أن تكون البداية مؤشراً على النهايات، كما رأى آخرون أن الإصدار الأول بالنسبة للكاتب يشبه الخطوة الأولى لطفل يستكشف العالم، أما عثراته فهي قوة لساقيه، ولا بد من المغامرة، مؤكدين أن هناك فرقاً بين المغامرة والمقامرة. أكد الروائي علي أبو الريش أن الإصدار الأول كالمولود البكر يفترض أن يعتز به الكاتب، فهو البصمة الأولى والكلمة الأولى، ومن غير المقبول التنصل من هذه التجربة، فهي تاريخ وجزء من حياة الأديب وشاهد على تطور إبداعه، مشيرا إلى أن أي عمل أدبي قبل أن يقرر صاحبه نشره، لا بد أن يأخذ ملاحظات من أكثر من مطلع حوله حتى يكون على بينة من أمره، وتكون خطواته مدروسة. وقال الدكتور علي بن تميم، أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب: إن الكتاب الأول، لا يعني عدم اكتمال التجربة، وإنما يعني حضور طيف هذه التجربة في الأعمال التي تليها، فصورة المبدع يبحث عنها في البدايات، ولنتذكر أن قمم الإبداع أحياناً تكون في الإصدار الأول فالمهمة صعبة، ولذا فالإصدار الأول مسؤولية كبيرة، ولا بد للمبدع أن يحرص على أن تكون البداية مؤشراً على النهايات، إذ البداية لا تنفصل عن النهاية، وينبغي ألا تكون البداية تشكيلاً مخادعاً وفقراً في المخيلة وجهلاً في الأساليب وحمقاً في الطرح، وإنما يجب أن تكون نمواً واعداً، وبذرة تحمل رغم صغرها حديقة في المستقبل، مكرسة التجربة والصورة المضيئة لصاحبها. وأضاف د. ابن تميم أن الاستعجال في نشر الكتاب الأول مغامرة غير محمودة العواقب، وأن هذا الإصدار لا بد أن يقدم انطباعاً عند قارئه يصور تنامي التجربة بجديد خلاق، ولذا من المطلوب عدم الاستسهال في النشر والعودة إلى قارئ منتخب يقوم بدوره في التقييم والسبك والصقل، حتى لا يصبح صاحب الكتاب الأول محل الازدراء والاستهزاء، وللأسف فإن الكثير من الروايات والأعمال الأدبية الأولى تعود بك إلى قرنين من الزمن، من حيث لغتها وكأنه ليس هناك نوع أدبي مزدهر يطلق عليه مصطلح الرواية، ولا بد أن تنهض حركة النشر في جميع الإمارات، وخاصة دور النشر التابعة للمؤسسات الحكومية، كما هي دوما بالاختيار الدقيق وأن تمارس دوراً موضوعياً فاحصاً وناقداً، وأن تعرض المواد على لجان تقرأ المخطوط جيداً وبنزاهة ومسؤولية قبل أن تعطي الموافقة على النشر، أو تتبنى العمل حتى لا يتعرض صاحب الكتاب الأول للاستهزاء. فكثير من الكتاب المبتدئين كما يؤكد ابن تميم يحتاجون إلى رعاية ودعم، لكن ينبغي أن ندرك بأن الرعاية لا تعني الاشتراك في نشر السخف بحجة دعم الإبداع، فالرعاية أولى لها ثم أولى أن لا تجامل وأن تختار ما فيه فائدة. وأوضح ابن تميم أن الكتابة لا تقيم حضورا ولا تحتفي إلا بالمعايير الجمالية والإبداعية، وبعض أصحاب الإصدارات الأولى جعلوا من إصداراتهم، ظاهرة تخلو من الجدة والإبداع، وهي من قبيل أنا هنا، ولذا فإن مثل هذه الكتب ينبغي على النقاد أن يدرسوها بوصفها جهلاً ومرضاً وحمقاً، وعلى صاحب الإصدار الأول أن ينتبه للشكل الذي يكتب فيه ويفهم تحولاته، الشكل والمضمون كلاهما يجسد في بنيته العميقة جماليات إبداعية، والمطلوب من المؤسسات المعنية إقامة ورش العمل التدريبية لصقل المواهب وتكريس اللجان التحكيمية لاختيار الأفضل. أما الشاعرة ربا شعبان فقالت: إن الإصدار الأول هو مغامرة بكل تأكيد، ومن الجيد أن نغامر، فمن لا يغامر في شيء لا يحصل على شيء، والحياة بحد ذاتها أكبر مغامرة وكل ما فيها كذلك، والله وحده فقط يعلم نتائج العمل، الدراسة، الزواج، الأبناء، من لا يغامر يشبه نهراً آسناً، فالإصدار الأول بالنسبة للكاتب يشبه الخطوة الأولى لطفل يستكشف العالم، أما عثراته فهي قوة لساقيه وإثارة في دربه. من جهته قال الشاعر باسل عبد العال: لا بد من مشروع أو حلم أدبي وشعري لكل شاعر يحلم بالإبداع والتميز، ويعيش شغفه الدائم في تطوير قصيدته التي هي تعبير عن تجربته الفنية في الحياة، وبالنسبة إلى تجربتي الشخصية فقد كان الإصدار الأول هو هويتي الأولى ومفتاح حلمي إلى الفضاء الشعري الحقيقي، وإلى الانطلاق نحو البوح بما تراكم في نفسي وفي خلدي من شعر، وعليّ أن أحترم وأقدر فيه تلك البدايات، بما في ذلك صغر سني وتجربتي معاً، أي لا يجب علّي عندما أرجع إلى إصداري الأول النظر إليه بعين ما أنا فيه اليوم، لأن تلك السن وتلك التجربة تختلف كلياً عما وصلت إليه الآن، خصوصاً بأن ثقافتي قد تغيرت وقراءاتي تغيرت كذلك، بما فيه آرائي في الكون والحياة، لذا، عليّ أن أنظر إلى إصداري الأول بعين الحنين وزمن طفولتي الشعرية الأولى، لست مع الحذف أو اعتبار الكتاب الأول لا ينتمي للشعر، وهو لا يستحق التندر أو الندم، بل هو في الواقع يجسد لي مرحلة ومحطة من محطات تجربتي التي ما زالت مستمرة وهي في صعود. الاحتفاظ بالكتاب الأول، هو مهم لجهة تمعن وتفحص تجربتي الشعرية، وهو دلالة على تطور تجربتي، حتى وإن تضمن هذا الإصدار نوعاً من الضعف والركاكة، فهو في مجمل الأحوال يبقى الشاهد الأول على نحتي في صخور اللغة والإبداع الأدبي الجميل، كما أنه يمثل إحدى دورات الزمن الإبداعي الذي يخصني. وأضاف عبد العال:إن المبدع الحقيقي هو الطموح الذي يسعى دائماً إلى أن يصعد سلم الإبداع خطوة خطوة، ويجب عليه أن يكون في صورة الإبداع الذي لم يبح به بعد، وأن ينظر إلى الخطوة الأولى بأنها مفتاح خطواته المقبلة. ونظرت الكاتبة هنادي المنصوري إلى كتابها الأول جلست ذات يوم بوصفه يشكل مصدر فخر واعتزاز لها، فقد نفدت طبعاته الأولى والثانية والثالثة، وهي تشكر من دعمها في إصداره، وأشارت إلى أنها ستصدر كتابها الثاني، وقالت لو عاد بي الوقت مرة أخرى إلى ما قبيل طباعته، لما ترددت في المضي قدما لإصداره، ولكن قد تكون لدي بعض التعديلات عليه، فقد وددت لو كان لدي متسع أكثر من الوقت لاختيار النصوص بصورة أدق للنشر، فهناك ثمة نصوص كنت أود لو حذفتها منه. وقالت المنصوري: إن أهم خطوة تواجه كل كاتب شاب مقبل على طباعة كتابه الأول، هو أن يختار النصوص التي يود نشرها وأن يكون هذا الاختيار دقيقاً، بعيداً عن العاطفة أو المشاعر المتذبذبة، فإن اختياره حينذاك سيكون غير موفق، وسيندم على ما اختاره أما الخطوة الثانية فهي أن تكون مادته ذات فائدة وأثر طيب، ومعرفة جديدة، ستضاف إلى رصيد القارئ، وأن يكون مسؤولاً مسؤولية تامة حول ما سينشره، وما سيتركه في نفوس القراء من خير أو شر، والمطلوب منه أن ينشر نصوصا ذات طابع مفيد إيجابي للبشرية والمجتمع أما الخطوة الثالثة فهي توثيق الكاتب لكل نص يكتبه، فكل ما نكتب هو وليد بوح أدبي أو معرفي ويستحق تاريخ شهادة ميلاد جديدة، وعليه -تؤكد المنصوري- أن على الكاتب أن يحسن اختيار المطبوعة التي ستنشر أول كتاب له، وأن يحسن اختيار الغلاف لكتابه، بما في ذلك إخراجه بصورة تليق بمسيرته الكتابية، فصورة الكتاب لا تمحى من ذاكرة قارئه، كما عليه أن يختار دار نشر ذات سمعة طيبة والأفضل أن تكون عريقة.