القاهرة: الخليج تحكي منطقة سقارة بآثارها المتنوعة قصة حضارة تليدة، شهدتها مدينة منف التي كانت عاصمة مصر القديمة قبل ثلاثة آلاف عام أو يزيد قليلاً، حيث تجتذب منطقة سقارة جنوب غربي القاهرة سنوياً آلافاً من السائحين العرب والأجانب، بعد أن تحولت بما تضمه من آثار نادرة إلى قبلة للزوار. وتبعد منطقة سقارة عن القاهرة بمسافة تصل إلى أربعين كيلومتراً تقريباً، وترجع تسميتها حسبما يقول العديد من الآثاريين إلى المعبود سوكر، أو معبود الجبانة عند المصريين القدماء، وقد اكتسبت المنطقة شهرتها بسبب وجود مقبرة الملك زوسر بها، وهي المقبرة التي بناها له إيمحوتب على شكل مصطبة أراد لها من الفخامة ما يميزها عن غيرها، فاستخدم في بنائها أحجار الجرانيت، خاصة في بناء حجرة الدفن التي تمتد إلى عمق 28 متراً تقريباً تحت سطح الأرض. وتضم منطقة سقارة وحدها نحو 30 هرماً منها 15 هرماً منسوبة لملوك الفراعنة، من أهمها هرم زوسر المعروف ب الهرم المدرج، وتقول العديد من المراجع التاريخية، إن هذا الهرم تم تصميمه بالأساس ليكون مقبرة عظيمة للفرعون زوسر، وقد بني على هيئة ست مصاطب عملاقة تتناقص في حجمها إلى أن تصل إلى ارتفاع 62 متراً، تستند على قاعدة مستطيلة، تخفي أسفلها نفقاً ينحدر إلى موقع الدفن، حيث تضم المنطقة مئات من المقابر الفرعونية القديمة، التي يرجع تاريخ بعضها إلى عصر الأسرة الفرعونية الأولى، ربما كان من أشهرها تلك الكائنة في الجبانة التاريخية التي اكتشفها العالم الإيطالي الشهير كوبيل في العام 1912، والتي ساهمت فيما بعد في اكتشاف مقابر كبار الموظفين في العصر العتيق. ويصنف الهرم المدرج في العديد من كتب الآثار المصرية باعتباره أول بناء تذكاري معروف صنع من الحجارة، كما تشير العديد من الشواهد فقد كان للهرم قشرة خارجية اندثرت مع مرور الزمن، الذي لم يتمكن من إفناء ما يقرب من 20 ألف طن من الحجارة، استعملت في البناء. ويعد معبد السرابيوم، أحد أشهر الآثار التي تضمها منطقة سقارة، ويقع المعبد جنوب شرقي الهرم المدرج، وهو عبارة عن معبد منحوت في قلب الصخر، تعلوه تماثيل لحارس الصحراء المصري أبو الهول، ويضم المعبد مجموعة من الممرات التي تفضي إلى حجرات منحوتة في الصخر، تحتوي على توابيت حجرية ضخمة لدفن العجل المقدس. وتضم المنطقة المحيطة بأهرامات سقارة العديد من المقابر المجهولة، التي يرجح آثاريون أن تكون مدافن خاصة بأسر الملوك وأفراد حاشيتهم، حيث تتميز هذه المقابر بنقوش تمثل صوراً من الحياة اليومية لهؤلاء، فضلاً عن الحياة الجنائزية التي تتضمن مشاهد لتقديم القرابين وضروريات الحياة للمتوفى، وقد كانت تلك القرابين أحد الأساسيات في المعتقدات الدينية لدى الفراعنة، ومن أشهر هذه المقابر، مقبرة الأخوين بي عنخ خنوم، وكانا من كبار موظفي الدولة في الأسرة الفرعونية الخامسة. وتضم منطقة سقارة كذلك ما تبقى من آثار المعبد الجنائزي، وهو أحد المعابد الكبرى التي يرجع تاريخ إنشائها إلى العصر الصاوي، وقد اكتشفت آثار هذا المعبد المجهول في عشرينات القرن الماضي في حالة سيئة، وهو ما رجح معه آثاريون أن تكون أحجاره قد استخدمت في عصور سحيقة لبناء عدد من المقابر الموجودة في المنطقة. وتحفل منطقة سقارة بعشرات من آثار الدولة القديمة، بداية من أهرام الدولة الوسطى المهدمة، وهياكل الدولة الحديثة التي تنتشر نقوشها البارزة دقيقة الصنع في العديد من المقابر، وليس انتهاء بمدافن الديمقراطيين في الحقبة المتأخرة، ومن أهمها مقبرة كاع بر، المعروفة باسم مقبرة شيخ البلد، فضلا عن مئات السراديب المحفورة في باطن الأرض، والتي يقول الآثاريون إنها كانت مخصصة لدفن طائر أبو منجل بعد تحنيطه، إلى جانب القردة، والاثنان كانا يمثلان وفق العقيدة الفرعونية القديمة إلهي الحكمة والمعرفة. وتعتبر مجموعة زوسر من أشهر المجموعات الهرمية في سقارة، وهي مجموعة ذات طبيعة خاصة، فهي ليست مجموعة هرمية تقليدية، كونها تضم العديد من المنشآت الأخرى، لا ينافسها في الأهمية التاريخية سوى قطاع هرم تتي، الذي يضم هرم الملك تتي الأول، أول ملوك الأسرة السادسة، وهرمي أختيه الملكة أيوت والملكة حويت، فضلا عن مجموعة المقابر الخاصة بكبار رجال الدولة، ومنها مقبرة مري روكا، الذي كان وزيراً في عهد الملك تتي، ومقبرة كاجمني الذي كان هو الآخر وزيراً في عهد الملك تتي، والتي تعتبر بمثابة سجل لكثير من المناظر الدنيوية والدينية، ومقبرة الطبيب عنخ باحور، التي تضم جدرانها مشاهد ختان لصبية مصرية.