جرى استحداث الجملة أعلاه كعلم أو تجارب مهنية فقط قبل خمسة عقود عندما تقاربت بقاع العالم خضع كل شيء في حياتنا للحرص والشفافية والفساد أيضاً. ولو جاز لي أن أتحدث عن جزيرة العرب على وجه الخصوص، لا المقارنة، لقلت إن العربي قديما لم يكن ليحتاج إلى مزيج عارم من التفكير والقلق لإدارة ماله وممتلكاته. فكان "الحلال" يعني ما يملكه المرء من ماشية وأنعام، وكان يُديرها بنفسه، ولا أحد فوقه، ولا ينتظر أوامر أو توجيهات من أحد فوقه ولا مشورة من دونه، كما هي الحال الآن، حيث تُكلّف المشورة مبلغا، ولا "غسيل أموال" فيها من المخاطر والضرر أكثر من النفع. فكان "راعي الحلال" يعرف ماشيته وأنعامه بالرأس، ويستطيع حتى علاج المريض منها، ومتى تُباع ومتى تلد ومتى يشترى رؤوساً جديدة. كذا المزارع المالك يعرف متى كذا وكذا، وماهي الفصول المناسبة وكيف حال السوق، وأين يجد البذور الجيدة دون الرجوع إلى أحد أو تفحّص أقوال هذا وذاك. شفافية 100% تحكم حراكه. جملة السر التجاري أو سرّ المهنة لم تولد بعد. بعد وأثناء عصر النفط، انشل تفكير المرء وعليه أن يبحث عن من تساعده على تحديد ما هو مهم وماهو الأهم وماهو الجدّي وما هو الخادع واحتار في تحقيق طموحاته الكبيرة التي يرجوها من ثروة ورثها أو هبطت عليه. وعليه - والحالة كذا - أن يعرف الاقتصاد العام جيداً وأداء استثماراته في أي سوق سلكه، وبذا يحتاج إلى نصيحة عارف، وهذا العارف يتوقع المكافأة. العارف هذا في رأيي هو كثرة المعاهد التي تزعم أنها "مستشارك المالي" أو المصارف التي "تنصحك" والتي قد لا يفيد معها قول الشاعر: إذا بلغ الرأي المشورة فاستشر برأي نصيح أو نصيحة حازمِ. فأولئك - أقصد "مستشارك المالي" لا يُتيحون لك حتى موعد مقابلة إذا قلّ رصيدك أو دخلت في ضيق مالي، أو وجدوك رجلاً عادياً، كما قال الشاعر المرحوم عبدالعزيز المسلّم: ورأسمالك أوراقٌ وأشعار. زمننا هذا حتّم تغيّر الاقتصاد برمته في ليلة. أو يتقلب أداء سوق الأسهم (مثلاً). ويمكن أن تحدث أشياء خارج توقعاتك يكون لها كبير الأثر في سعيك المالي ومحاولة الاستفادة، من أمور لا تعرفها جيداً، ولا تدري من خلفها ومن "خلّفها". قدرة عصرية ظهرت في زمننا الرديء هذا، ألا وهي أيضاً المعرفة بكيفية شراء الأحزاب والتيارات السياسية ف "الباخص" بمثل هذه الأموراعتبرناه عملاق استثمار. نقوم ونقعد له عند قدومه.