< يجمعون ما تبقى من أخشاب وأقمشة كانت تمثل منازلهم، يبحثون جاهدين عما يفيد إن عادت الأمطار لتُغرق أرضهم ثانية. هكذا يستقبلون أيامهم بعد أن ودعوا «عششاً» كانوا يألفونها قبل أن ترحل مع مياه الأمطار لتتركهم من دون مأوى، إلا أن الدمار في ضواحي ولاية خرطوم بحري (شمال العاصمة السودانية)، ظل عاجزاً عن هزيمة أهلها. ابتسامة تلازم أطفالاً يتبارزون بقطع خشبية على أمل أن يتحولوا فجأة إلى فرسان، وثقة بالغة بالله ترفع معنوياتهم حتى في حديثهم عن المشكلات الكبيرة التي يعانونها بسبب الأمطار التي ضربت السودان الشهر الماضي وأودت بحياة الكثيرين و«نبذت» ما تبقى منهم إلى العراء، المساكن المدمّرة لم تكن المشكلة الوحيدة، فـ«البعوض» في المياه الراكدة يعني نشر أمراض مختلفة تأتي على رأسها الـ«ملاريا». يقول عضو فريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عبدالمحسن العصيمي الذي زار المكان: «كان التعب يلازم الكثيرين من أهالي الضواحي التي زرناها، لكن حماسهم لبدء العمل من جديد لم يتأثر أبداً». شارك العصيمي وزملاؤه من فريق المركز الإغاثي في نصب الخيام وتوزيع المساعدات العاجلة بغية دعم المتضررين وحل أزماتهم في صورة سريعة، وأضاف: «لم نكن نقوم وحدنا على نصب الخيام، كان الأهالي يصرون على مشاركتنا العمل. هم ودودون، ابتسامتهم لا تفارق وجوههم، وكان المأوى الموقت هاجسهم الأكبر». ويوضح واصفاً الوضع هناك: «يعاني أهالي تلك المناطق من أضرار الأمطار، بين عام وآخر تترك أسر مختلفة عُششها الموقتة بعد أن تجرفها المياه. جلّهم لا يعرف مسكناً ثابتاً، أغلبهم يُجبر على التنقل والبناء من جديد، سعيد الحظ من ينجح في الحفاظ على عشته ثلاثة أعوام». التقى العصيمي بأسر مختلفة خلال رحلته، كان أبرز ما تلمّسه في تلك اللقاءات تفاؤلهم الدائم. واستطرد بالقول: «يمكن للكثيرين أن ينهزموا تحت وطأة تلك الظروف، تخيل حياتك من دون مأوى، أو حتى تخيل أن ذلك المأوى المفقود كان مجرد حاجز عن السماء، لكنه لا يمنح سكانه أي خصوصية، إذ يبقى مفتوحاً أمام المارة، لكن على رغم ذلك كانت ثقة أهل ضواحي خرطوم بحري في الله أولاً، وفي قدرتهم على العودة من تلك النقطة إلى الأمان لا تساورها الشكوك». وفي الرحلة، صادف العصيمي طفلاً كانت أسرته للتو اكتشفت إصابته بـ«الملاريا»، وقال: «كان منعزلاً عن أصدقائه الذين تميزهم ضحكاتهم وركضهم في الأرجاء، منهكاً وحيداً وجسده لا يكاد يحمله، إلا أن ذلك لا يهزمه». يختصر الطفل عبدالعزيز أحمد أمنياته بـ«أريد أن أكون طبيباً، أريد أن أهزم المرض»، فيما يعلق والده بتفاؤل كبير «سيشفى بإذن الله، سيشفى ويعود إلى مدرسته»، وهو ما يلخص برأي العصيمي أبرز ما تعلمه من تجربته الإغاثية هناك «بالثقة يواجهون المرض والجوع وغياب المأوى». وكان فريق «مركز الإغاثة» وصل إلى السودان مطلع الشهر الجاري على متن طائرتين محملتين بمواد إغاثية إيوائية وغذائية، إذ تولى الفريق حل الأزمات الآنية في صورة عاجلة من خلال توزيع الوجبات الغذائية، ونصب الخيام للأسر المتضررة بعد أن تسببت الأمطار في وفاة أكثر من 100 شخص وهدم ما يزيد على 18 ألف مسكن.