×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم الوطني / مسؤولو الجامعة الإلكترونية يباركون للقيادة الرشيدة ذكرى اليوم الوطني الـ 86 / إضافة أولى واخيرة

صورة الخبر

بلادي بلادي بلادي.. لكِ حبي وفؤادي، من هنا يبدأ اليوم الدراسي للطلاب يرددون الشعارات والأناشيد، ثم ينتهي الطابور ويذهبون إلى فصولهم سريعاً، يجلسون على دككهم المتهالكة التي سكن التراب تفاصيلها.. ثم يدخل المدرس بوجهه العابس؛ لأن زوجته اعتادت أن تعكر مزاجه كل صباح لتأخر مرتبه.. فلا بديل لإخراج هذا سوى على الطلاب... يكتب عنواناً لدرس جديد على السبورة ("مستقبل أفضل"، يطلب منهم أن يفتحوا الكتاب ويرددوا وراءه الحروف والكلمات في شيء من الكسل. يدخل العامل حاملاً معه كوب القهوة المعتاد للمدرس.. يشعل سيجارته ويركن إلى كرسيه في الزاوية يتأمل وجوه الطلاب وهم يتهامسون.. يعلو الصوت وتنتشر الضوضاء... ينتفض في غضب: "اسكت يا ابني انت وهو احنا جايين نتعلم مش نتكلم.. أنا مش قريت الزفت الدرس اتنيلوا اكتبوه عشر مرات يلا لحد ما الحصة تخلص". يرفع أحد التلاميذ يده: "لو سمحت يا أستاذ أنا مش فاهم حاجة"، ينظر إليه وكأنه صعقه بجملة غير معتادة على ذلك الفصل المتهالكة جدرانه والمتساقطة شبابيكه إلا من قليل من الزجاج المنكسر الذي يعكس الضوء على الأموات الموجودين بالداخل الذين يزدادون كل يوم.. يرد في برود: "إيه يا ابني مش فاهم دي مش مهم زمايلك أهم بيكتبوا وعادي محدش قالي مش فاهم"، وبعدين مش مهم تفهم احفظها كده.. انتو هنا بتتعلموا بس.. تفهموا لا ولما الامتحان يجيلك اكتبها زي ما موجودة في الكتاب وخلاص".. يعود الطالب محملاً بكل خيبات الأمل.. يجلس بجانب أصدقائه ويكرر الكلمات المتهالكة كل يوم.. ويستمر هذا الروتين المدرسي (المسمى بالتعليم) كل يوم.. دون أن يفهم أحد شيئاً. لا تعلم من أين تأتي المشكلة هل من المدرس الذي لم يلق المقابل لعمله فأصبح لا يهمه أن يؤديه.. أم من المناهج الدراسية التي عفا عليها الزمن وأصبحت رماد معلومات لا تتعايش مع الواقع.. أم من المنظومة الفاشلة التي رفعت شعار (التربية والتعليم)، وهي لا تفعل شيئاً من هذا، بل بالعكس تفتخر بالفشل ووصولها للمركز قبل الأخير على مستوى 140 دولة في العالم. فى الحقيقة فإن الجميع هنا يتحمل المسؤولية، والطالب ضحية لكل هذا الروتين الذي يمحو عقله ويحوله إلى آلة تردد الكلمات دون أن يفهم شيئاً. طالب أصبح كل همه أن يدرس هذا الشيء ليمر من تلك المرحلة التعليمية إلى غيرها، محاولاً إرضاء أهله آخر العام بشهادته. أما المدرس فاتجه إلى الدروس الخصوصية ليكفي دخله.. والمدرسة لا تعنيه في شيء هو موجود فقط ليحصل على مرتبه آخر الشهر؛ ليسدد ما عليه من ديون وضغوط.. ويلعن ذلك اليوم الذي حصل على شهادته الجامعية؛ ليتعين بها في ذلك الترس الدائر بلا تغيير. أصبح الجميع في المنظومة التعليمية ظالماً ومظلوماً، والمترئسون على تلها بعد خرابها لا يهمهم الجهل وفقدان عقول هؤلاء التلاميذ إلى رغباتهم التعليمية والثقافية؛ ليخرج جيل آخر عبئاً على تلك الدولة، لا يفهم شيئاً اعتاد أن يكرر فقط ما يقولونه. يهمهم أيضاً عندما يزورون أي مؤسسة تعليمية بعد إخبار المسؤولين أنهم قادمون، أن يجدوا الطلاب محتشدين فوق بعضهم يكررون كلمات نظامهم، رافعين شعار بلدهم في طابور الصباح، وعلى وجوههم ابتسامة كاذبة؛ ليعودوا إلى مكاتبهم شاعرين أن كل شيء يسير على ما يرام.. وينتظرون القنوات أن تأتيهم للتحدث عن التطوير؛ لتأخذ الجلالة المسؤولين ولينتفضوا ويقولوا: "نحن نفعل ما بوسعنا لتطوير تلك المنظومة حتى نتجه نحو مستقبل أفضل لأولادنا"، ثم يطالبون الوزارة بمرتباتهم وحقوقهم، مبتسمين راضين بفشلهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.