لم تعد كرة القدم لعبة الفقراء كما كانت تسمَّى، فقد سرقها منهم الأثرياء في وضح النهار منذ سنوات، ولم يتركوا لهم في بلادي إلا الدوري المحلي الذي يبدو أنه هو الآخر بات قريباً من السيطرة عليه، وحرمان المشاهد الذي لا يملك المال من متابعته، لكي تستطيع الشركة الناقلة تحقيق أرباح تغطي كلفة العقد، الذي باعتقادي أنها تستطيع تغطيته، وتحقيق كثيرٍ من الأرباح من خلال الإعلانات، وبيع الملخصات، وكثيرٍ من الأفكار التسويقية الأخرى، وإذا لم يكن هناك مَنْ يستطيع، فإن القنوات الرياضية السعودية كانت تستطيع التصدي للمهمة بصفتها قناة حكومية ليس من أولوياتها تحقيق أرباح طائلة. أعلم أن «تشفير» الدوري السعودي سيضيف إلى «مداخيل الأندية» مبالغ جيدة تساعدها في تقليل اعتمادها على دعم أعضاء الشرف سواء من خلال «الناقل» الذي سيضيف جزءاً من عوائد «التشفير» إلى مبالغ النقل، أو من خلال الحضور الجماهيري الذي سيزداد بسببه، لكن ذلك يعني حرمان المشاهد البسيط خصوصاً أولئك الذين يسكنون في مناطق لا تقام فيها مباريات الدوري- من متابعة دوري بلاده الذي يعد وسيلة الترفيه الوحيدة حالياً لكثيرٍ من الشباب الذين يمثلون بدورهم الشريحة «الأكبر» من المتابعين. سؤال أجده منطقياً إلى حدٍّ بعيدٍ: أليس من حقي بصفتي مواطناً أن أتابع دوري بلادي دون أن أتحمل أي أعباء مادية، وما ذنبي إذا كنت طالباً أو خريجاً لم أجد وظيفة، ولا أستطيع دفع رسوم «التشفير»؟ إذا أردت أن أتابع الدوري فعلي أن أدفع، وإذا أردت أن أتابع الأندية السعودية في بطولة آسيا فعلي أن أدفع، وإذا أردت متابعة منتخب بلادي فعلي أن أدفع، وإذا تأهلنا إلى كأس العالم فعلي أن أدفع، فمن أين لطالب أو عاطل عن عمل أو موظف براتب بسيط القدرة على تحمل كل تلك التكاليف؟! فإذا كنا لا نستطيع أن نتحكم في البطولات التي تقام تحت مظلة الاتحادين القاري والدولي، فإن لنا القدرة على أن نترك للمشاهد البسيط فتات الدوري المحلي. ربما يقول قائل: إن هذا الأمر بات عرفاً ومعمولاً به في دوريات كثيرة وشهيرة، ولم يقل أحد إنهم سرقوها من فقرائهم. هذا صحيح، وأيضاً في بعض الدول حتى تتعلم عليك أن تدفع، وحتى تتعالج عليك أن تدفع، لكن على الأقل هناك وسائل ترفيه متعددة، أما هنا فإن بديل المباريات سيكون ساحات التفحيط والأسواق والمقاهي، وبعيداً عن كل هذا أعود لأقول إن من حق أي مواطن أن يتابع دوري بلاده دون أن يدفع ريالاً واحداً، ودون أن يقول للمسؤولين: لله يا محسنين مباريات قليلة تمنع «بلاوي» كثيرة!.