×
محافظة المنطقة الشرقية

اليوم الوطني / مكتبة الملك عبد العزيز العامة تنقل دائرة الحراك المعرفي إلى الميادين / إضافة أولى

صورة الخبر

< لعل التحدي الذي يواجه العالم العربي في التربية والتعليم، أو التعليم حتى يكون الحديث واقعياً، هو عدم قدرة المؤسسات التعليمية والمعلمين والمعلمات على خلق «اللذة» لدى النشء، لذة التعلم ومتعة المعرفة. في زماننا وإلى سنوات ليست بالبعيدة كان المعلم يشرح أشياء جديدة علينا، فتتحقق بعض الدهشة، واليوم يأتي المعلمون والمعلمات إلى طلاب يفوقونهم أحياناً في القدرة على الوصول إلى وسائل المعرفة والمعلومات، وغالب الظن أن ذلك بسبب التفوق التقني. اليوم نحتاج في العالم العربي إلى إعادة زيارة «التربية» و«التعليم»، كلاً على حدة أولاً، ثم مجتمعتين، وهي زيارة يجب أن تتحلى بروح المغامرة وعقل التحدي وجسد التفاعل، زيارة تبتعد عن «الوعظ» التعليمي الممل الذي يمارسه المعلمون ومن قبلهم الآباء والأمهات في المنازل، ولا تقترب إطلاقاً من الشعارات التي كانت ناجعة مع أجيال سابقة، وهي اليوم بسبب حداثة التقنية والاتصال أصبحت «ساذجة» في نظر حتى طفلة في السادسة! ملمح بسيط يمكن الاستدلال به على تطور الأطفال، ففي الماضي كان ثلاثة أرباع المنتظمين الجدد في المدرسة يبكون من رهبة المكان، ومن المجهول الذي لم ينجح ذووهم في تعريفه، سوى أنه المدرسة، وأنك «يجب أن تتعلم» أو حتى «ستذهب إلى المدرسة مثل فلان أو فلانة». اليوم أصبح منظراً نادراً أن تجد من يبكي، لأن الطفل لديه معلومات كثيرة مسبقة عن المكان وعن الإجراءات، وليس مبهماً بالنسبة إليه سوى ما الذي سيتعلمه ويعرفه. ربما يكون «فك الحرف» وتعلم العربية هو الهاجس الأكبر، ولعل التربويين يلاحظون أو سيلاحظون أن تعلم أطفال اليوم للإنكليزية أصبح أو سيكون أسهل من تعلمهم للعربية، لأنها لغة التواصل والأجهزة المتطورة، هذه الأجهزة التي زادت من الألفة بينهم وبين لغة العالم. كيف نعلمهم، وماذا نعلمهم، هو التحدي الكبير اليوم، فهل تمكننا المخاطرة أحياناً بعدم جعل جميع التلاميذ يقومون بالشيء نفسه وفي الوقت نفسه، ويتلقون «التلقين» من آلاف المعلمين والمعلمات الذين يمكنك أن تغطي وجوههم وتعتبرهم نسخة مكررة في طول البلاد وعرضها، خصوصاً وأن كل من يخرج منهم عن «النص» سيُنظر إليه بتوجس وريبة، وربما يعاقب أحياناً؟ حماسة الأسبوع الأول، وحماسة الأسبوع الأخير، وما بينهما رحلة طويلة تحتاج حتى تصبح متوهجة في أذهان الصغار والشباب إلى مشاريع اجتماعية ثقافية، وربما سياسية تمنح التعليم وفعل التعلم الممزوج ببعض التربية جاذبية جديدة، ومحتوى أكثر حرية، وممارسات تذكي التنافس على الإبداع، وليس التنافس على «الخلاص»، الخلاص من المنهج، والخلاص من عقوبات المدير، والخلاص من انتقاد المجتمع! تعليم الصغار وتربيتهم باتا يستلزمان إعادة تعليم من يعلمهم، وإعادة صياغة عقولهم ومفاهيمهم، ليستعيد طرفا المعادلة التعليمية الشغف، ذلك المفقود الواضح في فصول التعلم، وفي فناء المدرسة، وفي ثنايا الخطاب التعليمي الرسمي والشعبي.   mohamdalyami@