في الفترة الأخيرة لاحظت أني أذهب للنوم كل ليلة متعبة ومحبطة، بالرغم من أني لم أقم بالكثير من الأنشطة البدنية، لم أتعرض أيضًا للأمور المحبطة -الظاهرة على الأقل- خلال ذلك اليوم! أعرف دائمًا أنه يوجد الكثير لنعرفه، الكثير جدًا من المعارف المتنوعة واللانهائية، وأننا نسعى باستمرار باتجاه ما نحتاج من المعارف؛ لأهميتها سواء لحياتنا اليومية أو وظائفنا وربما رغبة في زيادة القيمة الذاتية لدينا. أعرف أيضًا أن تنوع شخصيات البشر لا نهائي ومدهش، كنت أعرف كذلك أن الأشخاص في العالم الواقعي يستطيعون بناء شخصيات وهمية (إلكترونية) مثالية ومنضبطة، خالية تقريبًا من العيوب، لكن فجأة لم تعد هذه المعرفة لدي مع وجود العلوم وحاجتها وتنوع الشخصيات والآراء والقدرة الفائقة على بناء شخصية وهمية مثالية من خلف الشاشة ذات نفع حقيقي، فأنا وغيري من مدمني مواقع التواصل عمومًا –وتويتر- تحديدًا نقضي ما يقارب من 2-4 ساعات يوميًا في تصفحها والمشاركة عبرها، وهذه الساعات كفيلة بتسبيب الإحباط للشخص المتابع؛ إذ إن المجتمع الإلكتروني “المكون من عدد كبير جدًا من الأفراد” يضع كل فرد منا في مواجهة كل الأفراد الذين اختارهم، مواجهة أفكارهم وآرائهم والعلوم التي يشاركونها، وحتى حزنهم أو فرحهم ومشاكلهم اليومية من خلال حركة تمرير واحدة للصفحة الرئيسية. يصبح هذا الجزء البسيط من الروتين اليومي مسببًا للإحباط لأنني -ومن غير وعي- لا أتعامل مع ما أتلقاه على أساس أنه من أفراد كثر وأن كل معلومة أو رأي صادرة من شخص مختلف، بل يبدو الأمر وكأن الجميع يعرف ويملك رأيا فريدا تجاه أمر ما، الجميع يتعلم ويمتلكون المقدرة على التعبير عن مشاعرهم وقدراتهم، ولديهم حدث ما مثير في حياتهم -الجميع ما عدا أنا- الفرد الوحيد المواجه لكل هؤلاء دفعة واحدة! هذا الكم من الأشياء التي نتلقاها من خلال هذه التمريرة البسيطة لرئيسية هذه المواقع لا يتطلب منا قراءتها فقط، إن المهارات مثل النقد والمعالجة والمقارنة بين ما نقرأ وبين قناعتنا الشخصية وآرائنا التي ربما لم تتكون بعد حول أمر ما بالطبع مهمة؛ وإلا أصبحت عقولنا مكبًا ضخمًا للجيد والرديء والمهم والتافه، لكن الأمر صعب بالنسبة لعادة يومية وعشوائية تقريبًا.. لأن معظمنا بالطبع غير حريصين على أن نكون مركزين وفي حالة ذهنية ممتازة عند التصفح، بل في الغالب نفعل ذلك قبل النوم أو بعد الاستيقاظ مباشرةً! مما يسبب الإحباط أيضًا هذا الشعور المربك بالانفصال بين المجتمع الإلكتروني والمجتمع الواقعي، إننا ندرك جميعًا أنه المجتمع ذاته الذي نتعامل معه في عالمين مختلفين -الإلكتروني والحقيقي- لكن ما نراه لا يصادق إدراكنا، فنحن قد نرى الكثير من رجال ونساء الوطن وشبابه ممن يتحدثون عن النهضة والعلم والتطوير والصحة والبيئة..إلخ من الأمور المماثلة، قد نرى كذلك المثاليين والمنضبطين جدًا، وهناك أيضًا أصحاب الإباحيات.. لكن ما إن ترفع رأسك عن الشاشة حتى يبدو الأمر مختلفًا تمامًا، ترى العاطلين والأميين والمدمنين، والقمامة تملأ الشوارع، ترى الطلاب يشتمون المدارس.. لأنه أيًا كان قد يمتلك أحد هذه الحسابات أو يتابعها –وبسهولة- ويتحول ذلك العدد الكبير جدًا من المتحدثين إلكترونيًا إلى عدد ضئيل جدا من المطبقين واقعيًا. أنا هنا لا أدعو لترك تويتر أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولا أعني أيضًا أن جميع مشاهير هذه المواقع هم أشخاص ليسو ذو أهمية حقيقية في الواقع، كما أن بعض الأشخاص يمتلكون حسابات إلكترونية تعكس شخصياتهم الحقيقية، لكن ما أقصده تحديدًا هو تقنين استخدام هذه المواقع حسب احتياجنا، وعدم جعل الشخصيات التي نتمنى أن نكونها شخصيات -وهمية- فقط عن طريق مواقع التواصل؛ حتى لا نقع في الفخ ونصدق ذلك وما إن تطفئ الشاشة الصغيرة حتى يختفي ذلك كله ونعود إلى ذواتنا التي نسعى لتطويرها من خلال هذه الشاشات ونهملها في العالم الحقيقي ونكرس المزيد من الجهد لصناعة الشخصيات المثالية التي أردنا، حيث لا تكون إلا وهمًا نصنعه، نتسلى به عن الواقع. وبالنسبة لي الآن فإن التركيز على عالمين يحكمهما ذات الأفراد يبدو مثل التحديق في أحد صور الخدع البصرية ما إن ترفع عينك عنها حتى يتلاشى تدريجيًا ما رأيت.