×
محافظة المنطقة الشرقية

“الداخلية” تنشر صور شهيدي الوطن في إطلاق نار على دورية بالدمام

صورة الخبر

في عالم الكتابة تكون السباحة ضد التيار مفيدة إن كانت غايتها نظرة مبتكرة، واعية، أو منصفة لموضوع ما، شريطة ألا تكون منطلقة من توهم الكاتب أنه ضد غيره لأنه متفوق عليهم، فهذه ليست إلا نرجسية تطل من برج عاجي يسمى نهر العاصي بهذا الاسم كما تعلمون لأنه يسير باتجاه معاكس لاتجاه الأنهار المعتاد، وتعود بعض أسماك السلمون في آخر دورة حياتها لمسقط رأسها أيضا سابحة ضد التيار، وربما غادرت مياه البحر المالحة وعادت للأنهار لغرض التكاثر واستمرار دورة حياتها! الاختلاف والسباحة ضد التيار قد تكون هدفا جيدا خاصة حين يبحث الإنسان عما يميزه، أو تكون الندرة حتى ابتعادا عن التقليد شرط أن تكون مثمرة. العرب تصف الرجل المميز الفريد بأنه نسيج وحده، أي يشبه الثوب النادر الثمين الذي لم يصنع أو ينسج مثله! وهنا إشارة جميلة لطريقة تشكيل المألوف بطريقة غير مألوفة. المختلفون عبر التاريخ من أبطال وقادة ومفكرين ومخترعين.. إلخ، حققوا إنجازات قد صعبت على غيرهم. بسبب عدم استسلامهم للسائد وتمردهم على المألوف. وفي عالم الكتابة تكون السباحة ضد التيار مفيدة إن كانت غايتها النظر نظرة مبتكرة أو واعية أو منصفة لموضوع ما، شريطة ألا تكون منطلقة من كون الكاتب يتوهم أنه ضد غيره لأنه متفوق عليهم، فهذه ليست إلا نظرة نرجسية تطل من برج عاجي! قرأت مجموعة مقالات جيدة هذا الأسبوع كان الرابط بين معظمها أنها أفادت بمعلومات مهمة، أو ربطت بين متباعدات في الظاهر متقاربات في الباطن، أو رأت في الظلام نورا أزالت به غبش الطريق الممتد للمستقبل، أو انطوت على حكمة بالغة (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا). وكان بعض ما قرأت مقالات سياسية يقف معظمها في خندق المواجهة! قد يحاول العدو جرنا للسباحة مع تياره الإعلامي التهويمي، خاصة إن كان لا يملك إلا الأراجيف والتضليل والتزييف؛ فهنا يكفي أن نرد عليه بخطاب صادق، فهو كفيل بتدمير خططه الإعلامية وتفكيك خطابه الهش، والضرر يكمن في الانجراف مع تياره ومحاكاة أكاذيبه واستمراء الزيف تحت ذريعة المجابهة والرد بالمثل "لأن الحقائق صعب تجاوزها وإنكارها"، كما قال الأمير بندر بن سلطان ذات خطاب صادق واجه به حملة هوجاء وترهات في حرب إعلامية سابقة ضد المملكة. الغالب على تاريخ خطابنا الإعلامي الرصانة والنضج والحرص على إبقاء ما للسياسة للسياسة، وما للإعلام للإعلام.. وعدم خلط الأمور والبعد عن السعي لتحقيق انتصارات إعلامية كاذبة! رغم كل شيء علينا التحلي بذات النهج في خطابنا الإعلامي، فالأكاذيب حيلة للعاجز عن المواجهة، والصدق قوة، وهو وحده كاف ليفند الأكاذيب ويدحرها وإن بدا خافت الصوت، والهدوء والتروي ليسا من علامات الضعف! هنا يكون الاختلاف عن السائد من خطابات الصراخ والتجني مبعث قوة وعامل حسم للمواجهة. لا اختلاف على أن الاختلاف يصنع التميز ويدفع للتفرد، ففي عالم الإبداع مثلا نجد للمبدعين الكبار ما يميزهم عن غيرهم، حتى لو لم يتكرر هذا التفرد سوى في عدة نصوص أو في عمل واحد سيكفي فارق الاختلاف والتفرد؛ وعندما تأتي نتاجات ثقافية مختلفة إبداعية متفردة، فإن الرابط بينها هو البحث عن الاختلاف عما هو مألوف والسعي لترك بصمة واضحة تنقل صاحبها من مقام السياق إلى منزلة العلامة! والعبرة في الاختلاف والتفرد ليس من ضروراتها الديمومة أو الكثرة، فقد يكفي القليل كما أشرت، بل قد يكفي لمبدع ما نص واحد مثل (ذهب مع الريح) لمارجريت ميتشل، أو بيت واحد لشاعر ما تسير به الركبان فقط لأنه لامس المدهش المختلف! وما كان باعث ثورة الشعر الحديث في بدايات ومنتصف القرن العشرين إلا البحث عن الفرادة والاختلاف بعد أن استنفدت معظم المقاعد الشاغرة في تاريخ الشعر العربي الكلاسيكي ببناه التقليدية وأخيلته ولغته وما عاد ثمة متسع إلا للتكرار وللمقلدين، والإبداع لا يكون بالتكرار كما لا يتكرر حتى بالوراثة، أو لا يورث بكل تفاصيله، فالأبناء يؤدون فنهم باختلاف عن فنون الآباء بما قد يزيد أو ينقص! إذا كنت لا تزال تقرأ حتى الآن فلعلك تحاول الوصول للفكرة التي أسعى لها، ألا وهي باختصار ميزة الاختلاف. الاختلاف قد يكون موقفا من الحياة تقدمت حين وقف الآخرون أو وقفت مكانك في اللحظة التي تراجع فيها غيرك لتصبح بطلا متوجا في بطولة جاءت بشكل تلقائي. فأنقذت إنسانا يوشك أن يغرق لأنك لم تبحث عمن يفعل ذلك غيرك، أو تصديت لنظرة خاطئة للحياة وسلوك مؤثر في البشر وقاومته لأنك قدرت ببصيرتك أن هذا دورك في الحياة. لا شك أنك قد مررت بهذا الموقف البطولي، وإن كنت قد فوته فقد صدق عليك بيت الشاعر سعد بن جدلان رحمه الله: "أحيان تصدف لعبة الشاطر مع غلطة عمر مره.. لكن لا عدت الغلطة ما عاد ينولها"، بيت يختصر اتفاق الفرصة النادرة المضاعة بسبب غلطة الشاطر الوحيدة الذي يجيد إضاعتها فقط! توافق النادر مع الأندر لحظة نفقد فيها ما قد نندم عليه طوال عمرنا. لو كنت قد فكرت في هذه الفكرة قبلا فأنت مختلف كما اختلف الشاعر في التعبير عنها! الموقف المؤثر، الكلمة المؤثرة، والفكرة المؤثرة تصنع الاختلاف. قد تبهرك لغة كتاب ولكن انبهارك ينتهي بمجرد القراءة. لغة مختلفة لكنها مجرد لغة أو تلاعب بالكلمات لا تبقى بعد الدهشة الأولى. إن كنت مختلفا في مجالك انتهى المقال، وإن لم يكن فلن ينتهي المقال حتى تبحث عن اختلافك الذي يجعلك مؤثرا.