بعد توجيهات عليا أثمرت تشكيل لجان وزارية، عادت الوسط لمدينة عيسى، لتعاين من جديد استمرار معاناة الأهالي مع سكن العزاب وتكاثر الآسيويين. مدينة العظماء، كما يكنيها أهلها، وأولى مدن البحرين النموذجية، صحت بعد نحو نصف قرن من التأسيس، على وقع مغادرة أبنائها تباعاً، لتفاجأ بتكاثر الغرباء وسط الأحياء التي كانت في يوم من الأيام تحتضن البحرينيين بمختلف انتماءاتهم. هنا كانت الأحياء المتجاورة تضم البحرينيين من فريج بوصرة بالمنامة، ومن فرجان المحرق والحالة، ومن الرفاع. هنا ومنذ ستينيات القرن الماضي كانت الأحياء تعج بالحياة من دون أن نشعر بأية تمايزات، واليوم، ظل الزمن يعبث بهذا النسيج، وبدأت المنطقة تفقد روحها. الوسط تفتح سكن العزاب: بيوت رثَّة... والأهالي: لا نستبعد الدعارة مدينة عيسى على خطى المحرق والمنامة: الــعظماء يغادرون... والأجانب يتكاثرون مدينة عيسى - محمد العلوي بعد توجيهات عليا أثمرت تشكيل لجان وزارية، عادت الوسط لمدينة عيسى، لتعاين من جديد استمرار معاناة الأهالي مع سكن العزاب وتكاثر الآسيويين. مدينة العظماء، كما يكنيها أهلها، وأولى مدن البحرين النموذجية، صحت بعد نحو نصف قرن من التأسيس، على وقع مغادرة أبنائها تباعاً، لتفاجأ بتكاثر الغرباء وسط الأحياء التي كانت في يوم من الأيام تحتضن البحرينيين بمختلف انتماءاتهم. هنا كانت الأحياء المتجاورة تضم البحرينيين من فريج بوصرة بالمنامة، ومن فرجان المحرق والحالة، ومن الرفاع. هنا ومنذ ستينات القرن الماضي كانت الأحياء تعج بالحياة دون أن نشعر بأية تمايزات، واليوم، ظل الزمن يعبث بهذا النسيج، وبدأت المنطقة تفقد روحها. واقع مر، رصدته الوسط، وعبر عنه المواطنون هناك بالقول: يتزايد عدد الآسيويين في الفرجان، حتى بتنا نخشى على أطفالنا وبناتنا من الذهاب إلى أقرب برادة، فيما كان المواطن جعفر سيد ياسين يعدد البيوت التي يقطنها الآسيويون في الحي الذي يقع فيه بيته: 1، 2، 3، 4، 5، 6، ستة بيوت هنا فقط، دون البقية المنتشرة في الأحياء الأخرى والتي تعيش هي أيضاً واقعا مأساويا، مضيفاً في حديث مازجه الألم باتوا يحيطون بنا من كل حدب وصوب، وبعد 5 أو 10 سنوات لن تجد بحرينيّاً هنا. لجان بلا شفافية وتعليقاً على اللجنة الوزارية التي شكلت مؤخراً، سجل المواطنون انطباعاتهم المجلس البلدي لا حول له ولا قوة، أما اللجنة فعملها بطيء، ولا شفافية عن طبيعة عملها. ومن بيت إلى آخر، كانت الجولة تتنقل لترصد من داخل البيوت أوضاعاً صعبة يعيشها سكانها من الآسيويين، بما في ذلك البيت الذي تبرعم لأكثر من بيت بعد تقسيمه على سكانه، سعياً لجمع أكبر عدد ممكن في الغرف المحدودة، فيما كان الأهالي يشيرون إلى أحد البيوت لا نستبعد ممارسة الدعارة في هذا البيت خصوصاً، ففي الداخل ينام الذكور والإناث من مختلف الجنسيات الآسيوية، والوجوه تتبدل باستمرار. ومع حلول الساعة (4:30) من عصر يوم الاثنين (29 أغسطس/ آب 2016)، كانت الوسط تحط الرحال في أحد مجمعات مدينة عيسى، واقتراباً من أحد البيوت، كان المرافق يعلق هذا البيت، تحول لـدوبية في وقت سابق، أما هناك فبإمكانك التقاط الصور لمواقع ترك القمامة والبيت الذي تحول إلى مخزن أخشاب. أختر... والبيت الرث وصولاً إلى البيت الذي كانت أبوابه مشرعة. استأذنت الوسط أصحابه قبل الدخول، فكان البنغالي (أختر، عامل تنظيفات في العقد السادس من عمره) يبادر بالجواب على سؤالنا عن صاحب العمل، بعفوية عامل درويش ما في أرباب، وليضيف وهو يقودنا إلى الداخل في هذا البيت يسكن 10 أشخاص، يتوزعون على غرفتين. بيت رث، بصندوق كهرباء مكشوف، تتكدس فيه أكياس سوداء ممتلئة وملقاة في ممراته، أما جدران مطبخه فمن الخشب القابل للاحتراق في أية لحظة، ليضع سكان البيت وجهاً لوجه الخطر المحدق. يعلق أختر ذو الإزار المزركش: قبل عام تقريباً شهد هذا المطبخ حادثة حريق، تجاوزناها دون خسائر بشرية، ويستدرك بلهجة مهجنة أنا في معلوم، هذي واجد خطر، وأي وقت في فاير أنا في موت. ومنذ 6 سنوات، قدم أختر للبحرين من المملكة العربية السعودية، لتحصيل لقمة عيشه عبر عمله في التنظيفات، يتقاضى إزاءه 100 دينار ليرسل نصفها إلى أسرته المكونة من زوجته و3 أبناء، وليتوزع الباقي على متطلباته الشخصية من بينها إيجار البيت البالغ 400 دينار شهريّاً والمقسم على سكانه العشرة. بيت من جهنم إلى بيت آخر، كانت الحرارة تنبعث في وجوه الداخلين إليه، والمصدر المكيف بموقعه الذي يقابل المدخل مباشرة، في ممر بدا هو الآخر مهيّأً لأية لحظة كارثية. سكان البيت من الآسيويين وبعد يوم عمل شاق، منهمكون في إعداد وجبة العشاء، لتمتزج حرارة المكيف برائحة البصل. وفي البيت الذي تم تقسيمه من الداخل إلى أكثر من بيت، بغية استيعاب أكبر عدد ممكن من العمال، كان العامل الهندي الذي يعمل نجارا، يعدد الساكنين في البيت بالقول 15 نفر بين هنود وباكستانيين، مضيفاً هذا البيت لـ الأرباب وهو بحريني. حال كارثي آخر أظهرته المعاينة الداخلية للبيت، فالمطبخ المشيد من الخشب كان وسيلة سكان البيت لإعداد لقمة عيشهم، فيما كانت الحاجيات والأثاث المستعمل تنتشر في كل زاوية من زوايا البيت القديم. يرد العامل الهندي على سؤال بشأن خطورة المطبخ على سكان البيت سنعمل على استبدال الخشب بعد شهرين لتفادي أية مشاكل، وعقب لازم سيفتي. وقبل الخروج من البيت، كان المرافق يسترجع هذي دار شمة رحمها الله. كنا أيام الطفولة نمر بالقرب من بيتها، فترمينا بالأكواب. أزمة إسكانية خانقة خروجا لحكاية أخرى من حكايات مدينة عيسى، كان المواطن جعفر سيد ياسين محمد يستقبلنا أمام منزله الذي يقطن فيه وهو وأسرته المكونة من 4 أفراد، والذي يقع في مجمع (808). بيت مكون من طابقين، وفي طابقه الثاني كانت الغرف الخشبية تمايزه، وحين سألنا جعفر عن ذلك، جاء الجواب لا أملك غير هذا الخيار، وضعي المالي صعب، فأنا متقاعد براتب وقدره (260 ديناراً)، ولا قدرة لي على البناء، علاوة على ان هذا البيت هو بيت ورثة، ما يعني أنني وأسرتي في أية لحظة قد نجد أنفسنا، خارجه. ومن جديد، تفتح حكاية جعفر، الملف الاسكاني لمدينة عيسى، والذي يؤكد الأهالي احتواءه على نحو 4 آلاف طلب اسكاني، تعيش ظلامة امتدادات القرى وعدم شمول المنطقة بأية مشاريع إسكانية. يعلق على ذلك، جعفر واليأس يقطر من عينيه طلبي يعود إلى العام 1997، وقد فقدنا الأمل في حل مشكلتنا الاسكانية المتفاقمة، وقد عزز من ذلك تواصلنا مع موظفي وزارة الاسكان ليصدمونا بأن لا شيء واضح لديهم بخصوص طلبات مدينة عيسى. وفي خطاب يوجهه إلى وزير الإسكان باسم الحمر، قال: أوجه ندائي إلى الوزير للنظر في وضعي الذي لا يحتمل أي تأخير، معبراً في الوقت ذاته عن استغرابه من حصول مواطنين من اصحاب طلبات تتجاوز العام ألفين على وحدات فيما لايزال أصحاب طلبات التسعينات ينتظرون، تحديداً في منطقة مدينة عيسى. وأضاف تكرر الوزارة حاليّاً عبارة التوزيع بالأقدمية، لكن الواقع يتحدث عن خلاف ذلك، فأنا شخصيا اعرف صاحب طلب يعود إلى العام 1998 حصل على وحدته الاسكانية فيما لاأزال انا مع المنتظرين. ولا يضم سكن المواطن جعفر، أكثر من غرفتين وصالة، يجاورهم بناء خشبي هو المطبخ، أما السقف فمشيد هو الآخر من الخشب، وبسبب ذلك لا يحتفظ المكان ببرودة المكيف، يقول أصحاب البيت. بيوت الدعارة يضيف المواطن جعفر، وهو يتحدث عن بيت يملكه أحد البحرينيين، مجاور لبيته هنا يتواجد الرجال والنساء من مختلف الجنسيات الآسيوية، بعضهم من العمالة السائبة والهاربة، وفي كل يوم تتبدل الأشكال والوجوه، وتابع اذا اجتمع العمال الاجانب مع العاملات الهاربين تحدث المسخرة. ويواصل حديثه عن مزاحمة العمال الآسيويين لهم، تلك البناية المكونة من 3 طوابق، تم استئجارها من قبل شركة لسكن عمالها، ومع حلول المساء تمتلىء المنطقة هنا بالباصات والسكسويلات. ولا يعرف الاهالي عددا ولو تقريبيّاً للآسيويين، وهم يعقبون: في المساء تظهر الاعداد الكبيرة بجلاء، حين يعودون من أعمالهم، وتعقيباً على سؤال عما إذا كانت الدعارة حاضرة، كان الجواب 100 في المئة، موجودة، وأردفوا قدمت البلاغات ضد بعض البيوت، غير أن الاجراءات البطيئة، لم تنهِ المشكلة بعد. ونوه المواطن جعفر في حديثه إلى تواجد أعداد كبيرة للعمالة المنزلية (تعمل بنظام الساعة)، مضيفاً في إحدى المرات شاهدت إحداهن برفقة آسيوي، أوقفته للسؤال عن العلاقة فكان الرد زوجتي، لكننا لاحظنا غيابه الطويل والذي يصل إلى شهرين وهو الامر الذي يعزز من وجاهة علامات الاستفهام. غاب الأمان وبشأن أوضاع الحي، يرد المواطن جعفر غاب الأمان، وما تراها من بيوت يقطن أعداد متزايدة منها الآسيويون، والذين يأتون ليلاً بعد فراغهم من أعمالهم، مضيفاً في السابق، كنا متعايشين ونعرف أهلنا ونعرف الناس، واليوم لا نجد إلا الغرباء، حتى بتنا لا نأمن على بناتنا خروجهن لشراء احتياجاتهن من أقرب محل. وتابع أعداد الأجانب ليست ثابتة، ففي بعض الأحيان نجد في البيت الواحد 30 شخصاً وفي أحيان أخرى نجد 20، ومع مرور الزمن يتكاثرون وأعداد البحرينيين تتراجع، وأردف في السابق كان الحي يشتمل على بيت واحد يقطنه آسيويون، والان اصبحوا 7 بيوت، والوضع أضحى مخيفا. الآسيويون بشر مثلنا والجولة تختتم تنقلاتها، كان المشهد العام يتحدث عن منطقة آسيوية بامتياز، في ظل تواجد الآسيويين وندرة البحرينيين. أحد البيوت الذي امتدت يد أصحابه من الآسيويين لاقتطاع جزء من الأرض العامة المحاذية لمنزلهم، خرج منه 3 أطفال آسيويين وهم يجيبون عن سؤال بشأن عدد القاطنين في البيت 9 أفراد موجودين هنا، فيما كان مرافق الجولة يعقب على الأرض هذه الأرض وتلك التي تجاورها، تمتلئان ليلا بالباصات، ولانزال بانتظار استجابة وزارة الإسكان لطلب إنشاء مواقف سيارات للأهالي على الأرضين. قريباً، كان بضع صبية بحرينيين يمرحون، اقتربنا منهم للسؤال عن أعداد الآسيويين في الحي، فقالوا وايد، وغالبيتهم من البتان، وأضافوا الآسيويون باتوا أكثر من البحرينيين في الفريج، فيما عمد صبي آخر للقول: الآسيويون بشر مثلنا، في تعبير منه عما عرف عن البحرينيين من تعايش وتسامح. بيوت رثة تفتقر لاحتياطات السلامة - تصوير : عقيل الفردان