ما إن شاع خبر إسقاط المدفعية السورية طائرتين إسرائيليتين، واحدة عسكرية وأخرى بلا طيار، حتى حصل ما يشبه «الهيصة» الاحتفالية على شاشات «الصمود والتصدي»، وفي مقدمها شاشة «المنار» التابعة لحزب الله. أما التلفزيون الفضائي السوري، فتأخر نحو نصف ساعة في إعلان الخبر والاحتفال بالنصر، وهذا من باب الحذر الذي يعتمده النظام دوماً. لكنّ التلفزيون السوري سرعان ما عوّض هذا التأخر، فالحدث تاريخي ولا بد من إعلانه حدثاً وطنياً، بعثياً وعربياً. عمت الحماسة مقدمي البرامج ومقدماتها، وراحت الشاشات تبث مشاهد عسكرية مصوّرة سابقاً في ساحات الوغى، وفيها تظهر الدبابات والآليات تطلق القذائف والحمم ورتل من العسكريين المقاتلين يقتحمون حدوداً وجبهات. وارتفعت أناشيد الانتصار والصمود، تصدح فيها الحناجر عالياً. هذا حدث فعلاً، كان الشعب السوري والعربي ينتظره منذ عقود، ويمكن القول منذ حرب العام 1973، التي سجل فيها الجيش السوري حينذاك انتصارات وأسقط طائرات للعدو الإسرائيلي في حرب وطنية وقومية. مضت عقود لم تجرؤ خلالها المدفعية السورية على إطلاق صواريخ أرض - جو ضد الطيران الإسرائيلي، الذي دأب على «التبختر» في الأجواء السورية وعلى قصف أهداف عدة موقعاً خسائر جمة. وكان النظام السوري يرد دوماً بالبيانات متوعداً العدو الإسرائيلي بالثأر والرد، لكن في الوقت المناسب الذي لم يحدده مرة. وظل هذا الوقت المناسب مؤجلاً الى أن استعاض النظام الديكتاتوري عن إسرائيل بشعبه وبلاده، فراح يمطرهما قذائف وحمماً مدمراً وزارعاً الخراب والقتل والرعب. وقبل أعوام من اندلاع الثورة، كان عسكر النظام قد دمر جزءاً من لبنان وقصف المخيمات الفلسطينية بلا رحمة. حان الوقت المناسب، أطلقت المدفعية السورية صواريخ أرض - جو ضد طائرتين إسرائيليتين اخترقتا الأجواء المحظورة، وأعلن جهاز الإعلام في الجيش السوري أن الطائرتين سقطتا وأن الثأر الذي طالما توعد النظام به العدو قد تم وتحقق، لكن من غير أن يبث صوراً للطائرتين لحظة سقوطهما. افترض الجيش السوري أنه أسقط الطائرتين، وهذا يكفي ليشكل حدثاً ولو إعلامياً ولتقوم وسائل الإعلام البعثي والصديق أو الحليف بإحياء احتفال طالما كان منتظراً. لكن لم تمض ساعتان حتى نفى جيش العدو الإشاعة السورية، مؤكداً أن ما من طائرة له سقطت بعد الغارة التي شنّها سلاحه الجوي على الأراضي السورية. غير أن وسائل الإعلام السورية والحليفة لم تصدق النفي وتجاهلته، وواصلت احتفالها ساعات طوالاً. الشعب يحتاج الى مثل هذا الانتصار على العدو ولو وهماً وبهتاناً وكذباً. قال لي صديق لم يصدق الخبر فور ذيوعه: لو أسقطت المدفعية السورية طائرتين إسرائيليتين حقاً، لما كان النظام سمح لوسائله الإعلامية والصديقة بالاحتفال بهذا الحدث. لكن عندما تأكد من أنه لم يسقط ولا طائرة، أشاع الخبر وأوعز الى وسائل إعلامه للاحتفال به، وفق عادته الاحتفال بالانتصارات الوهمية.