×
محافظة المنطقة الشرقية

وفــاء هـلالي جديد تجاه «الرئيس الذهبي» و«الداعم»

صورة الخبر

ليس الحل في تحديد من هم أهل السنة، وإنما الحل في رأيي هو (توسيع) دائرة أهل السنة، لا (تضييقها)، وفي تراث الأشاعرة والسلفية معا ما يعين على هذا قرأت مقالة للصديق الكاتب أحمد عدنان وصف فيها مؤتمر (غروزني) غير المبارك ولا السديد؛ بأنه "شمعة تتحدى الظلام"، أي أنه يرى هذا المؤتمر عملا "تنويريا"؛ ولكنه لم يبلغ أن يكون (فانوسا)، فضلا عن أن يكون شمسا أو قمرا، لكنه لم يتعد أن يكون "شمعة"، فكأن الأخ الفاضل يرى أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من إضافة الشمعات لتشتد إضاءته، أو فلنقل: "تنويره". فهل صحيح هذا الادعاء من طرف أخي الكاتب أحمد عدنان؟ هل صحيح أن (حصر) مصطلح "أهل السنة" في الأشاعرة والماتريدية شمعة وعمل "تنويري"؟ وهل الأشاعرة قوم متنورون؟ إذا كان التنوير هو كما عرفه بعضهم "الاستقلال في التفكير من دون وصاية من أحد"؛ فلا يمكن أن يكون الفكر الأشعري تنويريا من هذه الناحية، البتة البتة. لك الحق أن تفكر لكن على ضوء متون علم الكلام الأشعري؛ ومن خالف الأشاعرة لا يمكن بحال أن يكون إلا ضالا مبتدعا، كسائر فرق الإسلام مثلا بمثل، سواء بسواء. فإذا كان الأخ أحمد يظن أن الأشاعرة سبيل للتحرر من ربقة التشدد، أو الخلاص من أسر التقليد، أو النجاة من تأصيل "الإرهاب" فهو مخطئ. فهذا القاضي عياض -وحسبك به عالما من العلماء الكبار جدا في السادة الأشاعرة- يقول في حق مخالفي المذهب الأشعري (أهل السنة) في كتابه الشهير الطنان (الشفا)، يقول: "والصواب ترك إكفارهم والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم ووراثاتهم ومناكحاتهم ودياتهم والصلاة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين وسائر معاملاتهم، لكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب وشديد الزجر والهجر حتى يرجعوا عن بدعتهم وهذه كانت سيرة الصدر الأول فيهم، فقد كان نشأ على زمن الصحابة وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر ورأي الخوارج والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبرا ولا قطعوا لأحد منهم ميراثا، لكنهم هجروهم وأدبوهم بالضرب والنفي والقتل، على قدر أحوالهم؛ لأنهم فساق ضلال عصاة أصحاب كبائر". هذه هي أصول الفكر الأشعري في التعامل مع المخالف؛ سلفيا كان أم إباضيا، أم معتزليا أم شيعيا. وهو لا يختلف عن منهج السلفيين، لا نكفر أهل القبلة من المسلمين، ولكن علينا أن نغلظ عليهم، ونستعمل معهم وجيع الأدب ضربا ونفيا وقتلا إن لزم الأمر! فعن أي شمعة يا صديقي تتحدث؟ وهذا يا سيدي عبدالقاهر البغدادي، وله كتاب شهير في (أصول الدين)، يقول فيه: "اعلم أن تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة واجب من وجوه..". ثم أفاض في أسباب تكفيرهم، وهذا ليس تكفير إطلاق بل تكفير أعيان، يترتب عليه ما يترتب على أحكام التكفير. على أن السلفيين لا يكفرون المعتزلة، وأكثر الأشاعرة لا يكفرونهم، غير أن بذور التكفير موجودة في بطون كتب الأشاعرة، كما هي في كتب غيرهم. وخصص البغدادي مسألة في كتابه الآنف الذكر حول (أنكحة أهل الأهواء وذبائحهم ومواريثهم)، فقال: "أجمع أصحابنا أنه لا يحل أكل ذبائحهم، وكيف نبيح ذبائح من لا يستبيح ذبائحنا؟ وأكثر المعتزلة مع الأزارقة من الخوارج يحرمون ذبائحنا، وقولنا فيهم أشد من قولهم فينا". تأمل يا أخي أحمد عدنان كيف يسوق البغدادي (إجماع أصحابه) من الأشاعرة أنه (لا يجوز) أكل ذبيحة مخالفه من أهل القبلة! ثم يقول: "ولا يجوز عندنا تزويج المرأة المسلمة من واحد منهم، فإن عُقِد العقد فالنكاح مفسوخ، وإن لم تعلم المرأة ببدعة زوجها حتى وطئها فعليها العدة، ولها مهر المثل بالوطء دون المهر المسمى، والمرأة منهم إن اعتقدت اعتقادهم حرم نكاحها وإن لم تعتقد اعتقادهم لم يحرم نكاحها لأنها مسلمة بحكم دار الإسلام". فلا يجوز عنده أن يتزوج السلفي وغيره أشعرية! ثم يقول: "وأجمع أصحابنا على أن أهل الأهواء لا يرثون من أهل السنة، واختلفوا في ميراث السني منهم، فمنهم من قطع التوارث من الطرفين، وبه قال الحارث المحاسبي، ولذلك لم يأخذ ميراث والده لأنه كان قدريا. ومنهم من رأى التوريث منهم". أما الدار التي يغلب عليها أهل الأهواء فما حالها عنده؟ كأن يحكم فيها السلفيون مثلا -بحكم أن السلفيين عند الأشاعرة مجسمة ومشبهة- أو المعتزلة؟ أو الإباضية؟ أو الشيعة؟ يقول عبدالقاهر البغدادي في كتابه المذكور: "كل دار غلب عليها بعض الفرق الضالة ينظر فيها، فإن كان أهل السنة فيها ظاهرين يظهرون السنة بلا خفير ولا جوار من مجير ولا خوف على النفس والمال فهي دار إسلام، واللقيط فيها حر مسلم لا يسترق، ويجب تعريف اللقطة فيها، وإن لم يقدر أهل السنة [أهل السنة عنده هم الأشاعرة] على إظهار الحق إلا بجوار أو مال يبذلونه فهي دار حرب وكفر، واللقيط فيها كاللقيط في دار الحرب!". ثم يقول: "واختلف أصحابنا في حكم أهل هذه الدار، فمنهم من حرم ذبائحهم ونكاح نسائهم وأجاز وضع الجزية عليهم [تأمل ثم تأمل هذا أخي القارئ]، وأجراهم في هذا مجرى المجوس وهذا اختيار الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرائيني". فهذه بعض نصوص الأشاعرة الذين يُعَد مؤتمرهم عند الأخ أحمد عدنان (شمعة)! وما نقلت كل شيء، وإنما أكتفي بالإشارة. دع عنك تكفير قلعة الأشعرية لبعض من كبار مفكري هذا العصر كنصر حامد أبوزيد، وطه حسين، وعلي عبدالرازق وغيرهم. أفبعد هذا يقال إن مؤتمرا يخصص مفهوم أهل السنة بالأشاعرة تنوير من التنوير؟ ليس الحل في تحديد من هم أهل السنة، وإنما الحل في رأيي هو في (توسيع) دائرة أهل السنة، لا (تضييقها)، وفي تراث الأشاعرة والسلفية معا ما يعين على هذا، ويصلح أن يكون أصلا له، وهو ما يحتاج مقالا آخر بعون الله. أما أن يقال إن أكثر حركات العنف سلفية، فالسلفيون أنفسهم متبرئون منها، وقد جرى في التاريخ أن انتسب قوم إلى الأشاعرة فأسرفوا في الدماء، فليس هذا ببدع، وسببه ليس السلفية ضربة لازب، ولا الأشعرية ضربة لازب، بل عوامل أخرى يدركها اللبيب الفطن. أما أن السلفيين لا يعدون بعض الكتاب المهاجمين لمؤتمر (الشيشان) سنيا، أو مسلما، كما يقول الكاتب أحمد عدنان في مقاله؛ فهذا تعميم لا يجوز ولا يصح أولا، ولئن افترضنا صحته فإن تصنيف الآخرين لنا لا يمنعنا من أن نقول الحق على قدر الوسع والطاقة إن شاء الله.