هي رسائل هَجِينَة، جافَّة جَفاء البيدَاء، ثرثرة بلا معنى تحتشِد فيها ألفاظ وكلمات مفخمة صالحة لكل مناسبة عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الحب كذلك مادام يستهل بكلمة "عيد". هي تلك الرسائل التي أصبح يتداولها زوار المواقع التواصلية - مجازاً - بل امتدت عدواها حتى إلى الرسائل النصية القصيرة وتطبيقات الهواتف الذكية. ليلة قبل عيد الفطر سمعت رنين هاتفي، قمت لأتفحص سبب رنينه فإذا بي أجد رسالة نصية من صديق لي يهنئني فيها بحلول عيد الفطر. استوقفتني الرسالة ومضمونها للحظات، وأنا أقرأ وأتدبَّر الكلمات الرنانة والتعابير الجميلة واللغة الفصيحة فأثار حفيظتي أسلوبه في الكتابة التي كلما حدَّقت وتأمّلت في كلماتها زاد يقيني بأن كاتبها ليس الصديق الذي أعهده. رغم كل الشكوك فارَت مشاعري ثائرةً لتغتَال هدوئي، تتسارع أنفاسي وتضطرب دقات قلبي لما كان لهذه الكلمات من وقع على قلبي فأحسست بسعادة اخترقتني بل مرت من خلالي وكأني لا مرئي. أتممت القراءة بكل تدبر وخشوع حتى أيقظ سباتي رنين هاتفي مرة ثانية وثالثة، فلو تدري هذه الرنات المزعجة قيمة اللحظة التي سرقتها مني بهذا الصوت المزعج لما حاولت الرنين. إنها رسالة جديدة من صديقة عزيزة هذه المرة، جرَّني الفضول للكشف عن فحواها متسللاً بين سطورها الطويلة فأطلت النظر والتحديق في كلماتها، فإذا بي أكتشف أنها نسخة طبق الأصل لسابقتها، تحمل من العبارات ما تحمله الرسالة الأولى، أصبت بالذهول وتملكتني الغرابة فانسحبت من قراءتها في صمت، توهج وجهي بضحكة متمردة مستفهماً: هل هي الصدفة؟ يا لهذه الصدفة ! حالة هذيان إستولت على مفكرتي وشدت انتباهي تلك السطور المصطنعة، فما هي إلا لحظات حتى لمحت عيني رسائل بنفس الكلمات يتداولها نشطاء المواقع التواصلية ظانين أن رسالة جوفاء أفضل من أن يكلفون أنفسهم عناء الكتابة، بل منهم من لا يكلف نفسه حتى عناء تغيير اسم الشخص الذي أرسل له الرسالة ليتداولها مع أصدقائه! تشابه الكلمات والعبارات في الرسائل أو قوالب الرسائل المنتشرة في مواقع التواصل ليس ضرباً من ضروب المصادفة وإنما آفة تحدق بهذا المجتمع المتواني بل قَطَعَتْ بمقص الكسل كلَّ روابط الالتحام. رُبَّ بضع كلمات خارجة من القلب بأي أسلوب كان ومهما كانت بشاعة التعابير إلا أنها كافية لأن تخترق جوف كل إنسان وترسم البهجة على محيا كل حزين. بالأمس كان للرسالة أثر كبير على نفسية مُسْتَقْبِلِهَا، ينتظرها بكل شغف ولهفة فما إن يطل الطائر الأبيض وبين رجليه مفتاح أمل حتى يُفَكَّ قَيْدُهُ ويفرجَ عن الشوق الذي أسره حقبة طويلة طول المسافة بين المتراسلين. فمع كثرة وسائل التواصل وتنوعها فقدنا الاتصال بمن حولنا بل فقدنا البوصلة التي تقودنا إلى ذواتنا،مغتربين في عالم هو عالمنا وبين أناس من جلدتنا. ولكن أليس لنا الحق في اختيار الأحلام والسفر على بساط الخيال؟ الحق في السباحة في بحور الاحتمال؟ لربما يعود هذا المجتمع في يوم ما إلى رشده وجادة صوابه، وتتصالح حينئذ كل ذات مع ذاتها وننسج معاً سجادة التقارب بخيوط التواصل والائتلاف. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.