عزيزي علي: في البدء كل عام وأنتم بخير أينما كنت. أعايدك اليوم وأنا أستذكر مرتكزات سخونة حواراتنا منذ عرفتك وعرفتني على مدى سنوات خمس جمعتنا فيها الغربة والهموم الحياتيّة في مدينة «شيفيلد» الإنجليزيّة الجميلة في نصف التسعينيات الثاني. كنت أنت يا «علي» أول من التقيته من غير السعوديين في تلك المدينة الباردة حينما وصلتها أول مرة في يناير 1996. وعلى الرغم من أن اللقاء الأول بيننا لم يكن مريحاً بعد أن خدعتني بإعلان جذّاب في لوحة إعلانات الجامعة عن رغبتك تأجير «بيت ريفي فاخر» وإذ بالبيت الفاخر حجيرات ضيقة أو لنقل ثلاثة قبور متقابلة بناها فلاح إنجليزي قبل 80 عاماً. معايدتي لك اليوم لها سببان؛ السبب الأول حق «عشرة» سنوات تناقشنا فيها وتعاتبنا، والثاني استذكار حواراتنا حول نظام الملالي والسياسة التي يتبعها في علاقاته مع الجيران والعالم. لم أنس كيف كان الحوار بيننا صباح اليوم التالي لـ 25 يونيو 1996 بعد إعلان تفجير الصهريج المحمَّل بأطنان مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار في مدينة الخبر السعوديّة حيث لم تتضح بعد تلك الصورة الكالحة للتنظيمات الإرهابيّة وقتها. كنت قلت لك وقتها إن حدسي يقول إنّ «الملالي» هم من دبّر وخطّط للتفجير مستدلّاً بما لاحظته من ابتهاج أنصارهم على مجموعات الأخبار News Groups التي كانت الخدمة التشاركيّة الأشهر في بدايات الإنترنت. وأذكر من حواراتنا أنك قلت لا تشك بل تؤكد أنهم وراء أي مصيبة ستلحق بكم في السعوديّة والخليج «فأنتم هدف استراتيجي في خطاب الملالي». كنتَ كثيراً ما تردّد أن هؤلاء «الملالي» لا يمثلون الدين الإسلامي ولا يمتثلون لتعاليمه وسيذوق من يستقبلهم في بلده كل الويلات. وقتها كنت أنت شديد النقد «للملالي» وكنتُ أرد عليك مشاكساً وممازحاً بأن هروبك مع عائلتك إلى بريطانيا في سنة الثورة الأولى وتشبعك منذ الصغر بآثار خسارة والدك لموقعه في «البازار» ربما أفقدك الإنصاف. عزيزي علي: لم يتغير حال «الملالي» منذ افترقنا بل كما توقعت أنت فقد تغلغلوا في نسيج كثير من البلدان الإسلاميّة بالفتنة والدمار. وما يؤلم يا «علي» أنّهم ساهموا في تأليب الطوائف والاقتتال الطائفي الذي راح ضحيته مئات الآلاف من المسلمين ثم حوّلوا أربع عواصم عربيّة «بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء» إلى أعشاش غربان بعد أن هجرها من بقي من الناس اتقاء الفتنة التي أيقظها «الملالي». والأكثر إيلاما يا «علي» أن عملاء الملالي يقتلون اليوم أهلهم في العراق والشام واليمن بدم بارد ثم يظهر «المرشد» خامنئي محيّياً «صبيته» مشيداً بحفلات الدم والموت بافتخار وزهو. والعجيب أن «خامنئي» خليفة «خميني» يا «علي» يتنفس في كلامه الكراهيّة ويبارك في دعائه المذابح الدمويّة ويتعبّد الله بمشاريع الفتنة بين المسلمين. عزيزي علي: ما زلت أذكر منتصف عام 2000م حين أتيت تودعني وأنا أتهيأ للعودة إلى وطني. ما زالت بعض كلماتك ترن في أّذني وأنت تقول: هنيئاً لك فقد أتيت إلى هنا عزيزاً وستعود إلى وطنك مرفوع الرأس أما أنا فقد مات والدي كمداً في الغربة وها أنا منفيّاً أتجاوز منتصف العمر بلا وطن. قال ومضى: طيّب الله أيامكم بالطاعات، وتوّج عيدكم بالمسرات.