×
محافظة المنطقة الشرقية

حدائق الإمارات وشواطئها ترتدي ثوب الفـرح

صورة الخبر

تختلف الأنظمة وتتغير الحكومات وتتواتر السنوات ويظل الإحباط هو الوجه الآخر لمرحلة الشباب. منهم من يكون محبطاً بسبب التعليم، أو العمل، أو البطالة، أو الأهل، أو الأصدقاء، أو السياسة، أو الاقتصاد، أو المجتمع، أو البلد، أو المستقبل، أو الحب، أو الزواج. المهم أن الإحباط يبقى سمة ملازمة للشباب إلى أن يدخل مرحلة الكهولة فتثقله الهموم والغموم ولا يعود يملك حتى رفاهية الإحباط. الإحباط، الغضب، القلق، الخوف، الكبت، الاكتئاب، الرغبة في الهجرة، العزوف عن السياسة، اللجوء إلى التطرف، الهروب من الواقع، الغرق في العوالم الافتراضية، الفجوة بين الأجيال، سيطرة الكبار والمسنين. صفات وعبارات وقياسات ونتائج لا تخرج عنها الغالبية المطلقة من دراسات واستبيانات واستفتاءات والأحاديث الدائرة عن الشباب ومعهم. الشباب في مصر – كما في دول ربيعية أخرى - مروا بمرحلة استثنائية وجيزة نبذوا فيها عن أنفسهم كل ما سبق من سمات كلاسيكية وصفات تاريخية وحيل للهروب من الواقع. بل يمكن القول أنهم في تلك الفترة الوجيزة هربوا من الافتراض وفرضوا أنفسهم على الواقع حيث انتظار الآتي وتخيل المستقبل. لكنهم ارتكزوا في ذلك على علم الغيب ولم ينظروا إلى علم الرياضيات، حيث واحد زائد واحد يساويان اثنين لا أكثر أو اقل. ولم تسعفهم عقود من التغييب والفساد والإفساد، والتديين زائد ثورة لا يساويان تغييراً إيجابياً أو نتائج بناءة أو آمالاً وضاحة، ليعودوا بعد كل ذلك إلى النقطة الصفر حيث الإحباط والغضب والاكتئاب إلى آخر القائمة المعروفة مسبقاً وإن تعددت وتراوحت وتغيرت الأسباب والعوامل المؤججة لها. تأجج الإحباط بين الشباب المصري هذه الأيام. فعلى رغم عدم خضوع الظاهرة لدراسة علمية يمكن الاعتماد على مكوناتها للشرح والتحليل، إلا أنه يمكن القول أن عدم القدرة على الحساب، والسيطرة على ارتفاع سقف الأحلام والطموحات، ورفض أو تجاهل أو الجهل بالواقع الحقيقي مسببات غير قليلة. افتراض أن الشباب المصري كله هو ذلك المثبت أمام شاشات الهواتف النقالة والكمبيوتر المحمول مغرداً ومدوناً وناشراً أفكاره ومناقشاً إحباطاته وعارضاً أفكاره وحلوله لمشكلات السياسة والاقتصاد والجريمة والحروب والتموين والتخطيط والداخلية والخارجية والمالية والتعليم والإدارة المحلية والتنمية السكانية والهجرة والبترول والطاقة وغيرها من أمور الكون تعميم وتجهيل لفئة أخرى أكبر عدداً وأكثر انتشاراً وإن كانت بعيدة من أضواء العنكبوت. ولأولئك أيضاً نصيبهم من الإحباط المنتشر، وإن كانوا لا يملكون رفاهية الوقت أو تدليل الإمكانات التي تسمح لهم بسرديات وشروحات عن مظاهر اليأس ومعالم الإحباط وملامج الاكتئاب وجوانب التساؤلات عن أحوال البلاد المظلمة وأحلام الهجرة القائمة وآفاق التضييق الرازحة وظلمات الواقع الطافحة. ومن بين هؤلاء على سبيل المثل شاب اسمه مصطفى وائل في أوائل العشرينات من العمر. يتلخص عمله اليومي في تحويل أكياس الرمل وحمولات الطوب الأحمر المخصص للبناء من سيارة النقل إلى الطبقة التاسعة، حيث تُجرى عملية تغيير ديكور الشقة. وبما أنه يُمنع استخدام المصعد لنقل تلك الحمولات، فقد جلس يرتشف كوباً من الشاي بعد إنهاء عشر جولات من حمل الأثقال. وبسؤاله عن موقفه من الإحباط، ضحك وقال: «ليس لدي الوقت أو حتى القدرة الذهنية لأحبَط. وحين يتوافر الوقت، أي حين يمضي يوم لا أجد فيه عملاً أو أمرض فأضطر للمكوث في البيت أو أنام، أشعر بالإحباط». حتى الدراسات العلمية التي تُجرى على الشباب لتحديد مشكلاتهم وأسبابها، تعتمد على طرق قياس يصفها مصطفى بأنها غريبة. فمثلاً الدراسة التي صدرت عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 2013 تحت عنوان محددات الإحباط لدى الشباب المصري اعتمدت على أسئلة يعتبر مصطفى أنها «أسئلة الناس الفاضية» (أي أولئك الذين لا يعانون مشكلات أو مصاعب حياتية). هل تعاني الصداع أحياناً؟ هل تعاني مشكلات في الهضم؟ هل ترتعش يداك؟ هل تجد صعوبة في الاستمتاع بالأنشطة اليومية؟ هل ينتابك أحياناً شعور بأنك لا تقوم بدور مثمر؟ هل تقرر أحياناً أن تركب دراجتك الهوائية أو تركض حتى تتخلص من همومك؟ هل تشعر بحب أفراد أسرتك لك؟ هل تفكر في السفر سواء للسياحة أو الهجرة إلى بلد آخر؟ كيف تعاني من الفساد في الدوائر والمصالح الحكومية؟ لم يرد مصطفى على أي من الأسئلة السابقة باستثناء الأخير، فاستطرد شارحاً أمثلة مما يتعرض له من طلب موظف صغير رشوة لإنهاء أوراق خاصة بوالدته، أو رفض آخر إصدار شهادة رسمية على سبيل التعسف وتصعيب الأمور على خلق الله، أو اضطراره للتوجه إلى المصلحة الحكومية ذاتها خمس مرات لإنهاء معاملة ينبغي أن تجرى في يوم واحد فقط. أما ما عدا الفساد من أسئلة، فقد اكتفى بقوله: إنها لا تخصني. أحد من تخصهم معايير قياس الإحباط من صداع ومشكلات في الهضم والهروب من الواقع بركوب دراجة ومشاعر متناقضة تجاه الأهل حيناً والأصدقاء حيناً هو طارق الرملي (28 عاماً) (مهندس) والذي يقابل أسئلة قياس الإحباط بضحكة استهزاء ورد قوامه سؤال استنكاري: وهل يوجد شاب في مصر لا يعاني الإحباط؟! وتتعدد أسبابه من سدة سياسية، وهيمنة عسكرية، وضغوط على الحريات، والتضييق على التظاهر والتعبير، وأداء برلماني دون المستوى، وفساد حكومي غير قابل للسيطرة، وانفلات الداخلية، وأخطاء الخارجية، وجنوح المالية، وجنون التربية والتعليم والتعليم العالي، وغيبوبة الصناعة، وركود التجارة، وتحجر السياحة، من دون أمل يلوح في نهاية النفق. وبلغ الرملي حداً من الإحباط جعله يختار لصورة صفحته على «فايسبوك» عبارة «أُطفئ النور في نهاية النفق المظلم حتى إشعار آخر». وبين الإشعار بأن الإحباط مستمر يفرض نفسه طيلة ساعات اليقظة لأسباب تتعلق بالمشاركة السياسية، وطبيعة نظام الحكم، وتصرفات الحاكم، وتركيبة الحكومة، وإجراءات اقتصادية، وتحركات سياسية، وأولويات غير تلك التي حلم بها الشباب، وإحباط آخر لا يعبر عن نفسه إلا في أوقات الفراغ التي تكون بسبب المرض أو عدم وجود عمل أو النوم (كما ذكر عامل البناء) يمضي الشباب حاملين همومهم وضغوط حياتهم وقائمة أولوياتهم معهم، وإن كان فريق يحملها معه إلى المقهى وآخر يحملها ضمن محتويات حمولة الطوب والرمل إلى الطبقة التاسعة صعوداً وهبوطاً.