في ديسمبر (كانون الأول)، وأثناء شهادتي أمام اللجنة الفرعية المعنية بالخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، طرح علي السؤال التالي: «مرت ثلاثة شهور منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) ولم يقع أي شيء آخر، فهل يمكن القول: إننا اجتزنا الأمر برمته؟». كنت واثقا من أن السيناتور الذي يطرح السؤال يعني ما إذا كنا قد تجاوزنا الخطر الفوري المتعلق بالتعرض لهجوم آخر بحجم هجمات 11 سبتمبر ـ التي تحولت للهاجس الأكبر للأميركيين ـ لكنني أجبت أنه من المحتمل أن نخوض نضالاً طويلاً يستمر لسنوات عدة. والآن، ورغم مرور 15 عامًا، لم ننته من هذا الأمر بعد. من غير الواضح حتى الآن إلى متى سيستمر هذا النضال، وإن كان ذلك أمرًا غير مثير للدهشة، ذلك أن الحروب الطويلة بطبيعتها تفتقر إلى المؤشرات التي يمكن أن تنبئ عن عدد الأميال المتبقية قبل أن نصل وجهتنا المنشودة. على سبيل المثال، لم تكن جيوش أوروبا الوسطى مدركة عام 1633 أنها وصلت منتصف الطريق فيما عرف بـ«حرب الأعوام الثلاثين». وبالمثل، لن ندرك متى قربنا أو بعدنا عن خط النهاية حتى تضع الحرب أوزارها بالفعل. ومع ذلك، فلنفترض أنني كنت قد وهبت منحة التنبؤ واستشراف المستقبل، وأخبرت أعضاء مجلس الشيوخ عام 2001 أننا بعد 15 عامًا من «الحرب العالمية ضد الإرهاب» سنكون ما نزال نطارد تنظيم «القاعدة» والجماعات المنبثقة من تحت مظلته، فإن هذا القول بالقطع كان ليثير الصدمة، رغم حقيقة أن كثيرا من المحللين توقعوا أن تستمر الحرب طويلاً. ورغم أن توصيف «الحرب الطويلة» قوبل بالرفض آنذاك، كشفت الأيام أن الحرب في أفغانستان والعراق تحولتا إلى أطول حربين في التاريخ الأميركي. وقد استمرت جهود الحربين على مدار فترتي ولاية رئيسين، تولى كل منهما الرئاسة لفترتين كل منهما أربع سنوات. والمؤكد الآن أن الرئيس أوباما سيسلم راية قيادة «الحرب ضد الإرهاب» للرئيس القادم. الملاحظ أن استخدام لفظ «حرب» خلق توقعات غير واقعية، حيث ينظر غالبية الأميركيين إلى الحرب باعتبارها مهمة لها أجل محدد، لكن الحقيقة أن الصراعات من عينة «الحرب ضد الإرهاب» يمكن أن تستمر لسنوات كثيرة. مثلاً، استغرق الأمر من البريطانيين ربع قرن لقمع الحملة الإرهابية التي شنها الجيش الجمهوري الآيرلندي. وبالمثل، فإن الصراعات الداخلية الراهنة بأفغانستان قائمة بصورة أو بأخرى منذ مطلع سبعينات القرن الماضي. ومع أن «القاعدة» أعلنت الحرب ضد واشنطن عام 1996. منذ 20 عامًا، فإن خصومنا ينظرون لهذا الصراع باعتباره انطلق منذ قرون ماضية وسيبقى مشتعلاً حتى يوم القيامة. وبالفعل، تحذر بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة من حرب بلا نهاية. من ناحية أخرى، فإن أعضاء مجلس الشيوخ عام 2001 كانوا سيسعدون قطعًا لو أنهم علموا آنذاك أنه بحلول عام 2016 بقي أعداء أميركا الإرهابيون عاجزين عن شن هجوم جديد ضدها بحجم هجمات 11 سبتمبر ـ بل ولم يقتربوا حتى من ذلك. في الواقع، حتى في ظل تعريف «الإرهاب» الواسع الذي يتضمن الهجمات التي ينفذها أشخاص غاضبون، وأحيانًا يعانون أوضاعًا ذهنية غير مستقرة، فإن الإرهابيين منذ هجمات 11 سبتمبر تمكنوا من قتل أقل من 11 داخل الولايات المتحدة، ورغم إقرارنا بما تحمله هذه الحوادث من جوانب إنسانية مأساوية بالتأكيد، تظل الحقيقة أن متوسط قتلى يبلغ ستة أو سبعة سنويًا على أيدي متطرفين في بلد يبلغ متوسط ضحايا جرائم القتل به ما بين 14 إلى 15 ألفا سنويًا يشكل نتيجة أفضل بكثير عما كان يخشاه الكثيرون عام 2001. بيد أن ثمة ثمنا فادحا وراء هذا الإنجاز، فبحلول أغسطس (آب) 2016، استقر عدد القتلى من الجنود الأميركيين في أفغانستان عند مستوى ألفين و383 قتيلاً، بجانب 4 آلاف و504 آخرين على صلة بحرب العراق التي جرى تصويرها من قبل مسؤولين حكوميين ويعتبرها غالبية الأميركيين امتدادًا للحرب ضد الإرهاب. وبذلك يرتفع مجمل الحصيلة إلى قرابة 7 آلاف جندي. ورغم تباين التقارير، فإن ما يقدر بعدة آلاف من المتعاقدين المدنيين الأميركيين قتلوا في خضم الحربين بأفغانستان والعراق، لتقترب المحصلة النهائية من نحو 10 آلاف قتيل. كما أسفرت الحربان عن إصابة نحو 50 ألف عسكري أميركي. أما إجمالي التكلفة المادية فتتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل كان أعضاء مجلس الشيوخ ليروا هذه التكلفة لحماية الوطن مقبولة؟ إحصاءات الإرهاب المضللة في الوقت الذي تشن واشنطن حربًا لا هوادة فيها ضد الإرهاب، تشير بعض قواعد البيانات العامة إلى ارتفاع مجمل أعمال الإرهاب عالميًا منذ عام 2001. فهل ينبئ ذلك عن حدوث إخفاق ما؟ في الواقع، يمكن للإرهاب أن يتزايد أو يتضاءل لأسباب لا علاقة لها بالجهود الأميركية لتدمير جماعات إرهابية بعينها. تعكس بعض الزيادة قدرة أفضل على التغطية الإعلامية. بجانب ذلك، فإن التكتيكات الإرهابية بدأت تعتمد في العقود الأخيرة على الأنماط المميزة للصراعات المسلحة المتعلقة بالحروب. وعليه، فإننا عندما نواجه الإرهابيين عسكريًا، فإنهم يردون بتكتيكات إرهابية. وتعكس هذه الهجمات طبيعة وحدة الصراع، ولا تعتبر بالضرورة مقياسًا لإخفاق جهود مكافحة الإرهاب. وتتمثل الفرضية القائمة وراء التحركات الأميركية ضد الإرهابيين في أنه نظرًا لأنهم هاجموا الولايات المتحدة، فإنهم سيستمرون في ذلك حتى ولو لم تتعقبهم القوات الأميركية. وبالتالي، فإن ترك الإرهابيين دون مساس لن يمنحنا حصانة من شرهم. تبدل الأهداف إضافة لذلك، فإن تقييم التقدم يعتمد على كيفية تعريف الأهداف. وفي الحروب الطويلة، قد تتبدل الأهداف بمرور الوقت. مثلاً، بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر مباشرة انصب الاهتمام الأكبر على منع وقوع هجوم آخر بذات الحجم أو أسوأ، الأمر الذي نجحت فيه الجهود الأميركية حتى الآن. بيد أن ثمة هدفا آخر تمثل في تدمير الكيانات المسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر تمامًا لأسباب تتعلق بالوقاية والعدالة والردع لأي جماعات أخرى قد تحمل النوايا ذاتها. وعلى هذا الصعيد، تحقق بالفعل بعض التقدم. إلا أنه بعد انطلاق الحرب ضد الإرهاب بفترة قصيرة، بدأ مسؤولون أميركيون في الحديث عن تدمير جميع الجماعات الإرهابية التي تلطخت يدها بدماء أميركيين أو ربما تشكل خطرًا على الأمن الأميركي. كما أن ضم حلفاء في الحرب الأميركية ضد الإرهاب استلزم وضع منظمات إرهابية تهدد هؤلاء الحلفاء على قائمة الأعداء. وعليه نجد أن ما بدأ كحملة ضيقة ضد «القاعدة» و«طالبان» التي ترعاها تحول إلى حملة واسعة ضد مجموعة من التنظيمات المتفرقة بمختلف أرجاء العالم. واليوم، يتحدث مسؤولون أميركيون عن تدمير أخطر الجماعات الإرهابية، وحماية من يتهددهم خطر الإرهاب، ومنع وقوع جرائم إرهابية، وحرمان الإرهابيين من الملاذات الآمنة، وإصلاح الأوضاع بالدول الفاشلة، والتصدي للتطرف العنيف، وتغيير الظروف التي تسهم في التحول إلى التطرف والعنف ومهاجمة الأسباب الجذرية للإرهاب. والمؤكد أن محاولة تحقيق مثل هذه الأهداف يكفل استمرار الصراع لأجيال ومواجهة الكثير من الإحباطات. أما التساؤل الذي يطرحه غالبية الأميركيين فهو: «هل أصبحنا أكثر أمنًا الآن؟» في الواقع، إذا كان المقياس الرئيسي للتقدم جعل الأميركيين أكثر أمنًا، فإن السلطات قد أبلت بلاءً حسنًا للغاية. وكان من شأن التعاون بين وكالات الاستخبارات وسلطات فرض القانون حول العالم جعل بيئة العمل الخاصة بالإرهابيين أكثر عداءً، في الوقت الذي كشف محققون فيدراليون وقوات الشرطة المحلية وأحبطوا قرابة 90 في المائة من المخططات الإرهابية الجهادية داخل الولايات المتحدة. ومع إضافة حقيقة أن متوسط أعمال القتل سنويًا بالولايات المتحدة تراجع بمعدل نحو 10.000 منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، يتضح أن الولايات المتحدة بالتأكيد أصبحت أكثر أمانًا. ومع ذلك، فإن الصورة لدى الرأي العام مختلفة، ذلك أن الهجمات الإرهابية اللافتة للأنظار، خاصة في ظل حرص الإرهابيين على قتل الأبرياء في المطاعم والحفلات الموسيقية والمطارات وما إلى غير ذلك، تخلق انطباعًا عامًا بأنه لا أحد في مأمن، بمعنى أن الطابع العشوائي لأعمال العنف يخلق المخاطرة بكل مكان.