يُصدق شعارات المقاومة اليوم مجموعتان من الناس؛ واحدة أغلبية صاحبة وعي شقي، أي مُغرَّر بها إلى حد التوهان، وأخرى أقلية لها موقف مصلحي أو انتهازي. وتُعرف المقاومة في الأدبيات العربية السائدة بأنها «مقاومة إسرائيل»، ويُفترض أن يكون هناك «محور للمقاومة» تصدح به الشريحتان؛ صاحبة الوعي الشقي المغرر بها والانتهازية. يُعرّف محور المقاومة بأنه تلك الدول التي تضم إيران، وسوريا، وحزب الله، وأخيرًا التحق بها الحوثيون في اليمن. وإن هدفهم الأساسي والمطلق في هذا العالم هو «محو إسرائيل من الوجود» وأيضًا إن أمكن إصابة «الشيطان الأكبر - الولايات المتحدة» في مقتل، ومن أجل أن نحتفظ بعقولنا سليمة، فلنقُم بتفكيك المشهد «المقاوم» وإعادة تركيبه على واقع ما نراه اليوم من أحداث. منذ نشأة محور المقاومة، لم تفقد إسرائيل «شبرًا واحدًا» من حدودها التي فرضتها، وكان ذلك بسبب تلك «المقاومة»، في حين خسر حزب الله اللبناني أربع مرات على الأقل من القتلى في سوريا، أكثر من كل مناوشاته القديمة والجديدة مع إسرائيل. من جهة أخرى، تناصر اليوم روسيا الاتحادية بكل قواها العسكرية والدبلوماسية بقاء «نظام الأسد المقاوم»، وأيضًا إيران المساندة (للمقاومة)، وفي الوقت ذاته، هناك 17 في المائة على الأقل من مواطني إسرائيل هم من اليهود الروس، الذين حتى الآن لهم علاقة بالوطن الأم، لديهم 3 صحف يومية، و11 أسبوعية، و5 شهرية، وأكثر من 50 صحيفة صغيرة محلية (كلها ناطقة باللغة الروسية) دليل على التعلق القومي، واللغة الروسية هي الأكثر انتشارًا في إسرائيل بعد العبرية، يتحدث بها أكثر من 20 في المائة من السكان «الروس والأوروبيين الشرقيين»، بل هي البلاد الثالثة في العالم، خارج روسيا، التي تحتضن اللغة الروسية (الأخريان الولايات المتحدة وألمانيا)، واليهود الروس لهم مقاعد في الكنيست يشكلون اليوم 5.1 في المائة من المجموع، أما من يتحدث الروسية من الأعضاء فالعدد أكبر (من أوروبا الشرقية) وتتودد إليهم معظم الأحزاب الأخرى، ولكن الأهم من كل ذلك أنهم، أي الإسرائيليين الروس، هم أكثر الطوائف اليهودية في إسرائيل شراسة في المطالبة بتوسيع الاستيطان، ومقاومة إنشاء دولة فلسطينية بأي حجم أو شكل. السؤال: كيف يمكن المقاربة بين النفوذ الروسي في إسرائيل القائم على صداقة متينة ومصالح ضخمة، وأن تقبل روسيا الرسمية «محو إسرائيل» من قبل محور المقاومة التي هي حليفة لها؟ كلمة مَن هي الأعلى؟ ولأن روسيا اليوم هي الناطقة باسم النظام «الأسدي المقاوم»، فإن المحادثات بالروسية بين طياريها ومواصلاتها اللاسلكية في السماء السوري، تُسمع وتُفهم بوضوح ودون الحاجة إلى مترجم لدى «من يريد المقاوم أن يمحوهم من على الأرض». في المقابل، يرى مناصرو المقاومة (الشريحتين أعلاه) أن «سوريا مهمة لأنها الممر الوحيد لتزويد (المقاوم حزب الله) بالسلاح الذي سوف يُوجَّه ضد إسرائيل! وهل يمر ذلك على عقل عاقل إلا واستهجنه، لأن روسيا بسبب العدد الضخم من مواطنيها السابقين ومصالحها، وبسبب علاقتها الحميمة بالدولة الإسرائيلية، وبسبب ثالث هو نفوذ اللوبي (الإسرائيلي) في موسكو، لن تسمح بمرور ذلك السلاح مهما صدَّق السذج أصحاب الوعي الشقي، أو أراد الانتهازيون أن يقنعونا به». في المقابل، مع ارتباط أكثر بين إيران وروسيا من حيث التزويد بالسلاح وتصاعد العلاقات الاقتصادية التي تحتاج إليها الحكومة الإيرانية، فإن أي تحرك ضد إسرائيل (غير اللفظي الموجه للسذج) سوف تعترض عليه روسيا، ليس بالقول بل بالفعل، في ظل أزمة مستحكمة في الداخل الإيراني، حيث تقول لنا التقارير الدولية إن انتشار الإدمان بين صفوف العاطلين والشباب الإيراني أصبح همًّا مُعلَنًا للحكومة، إلى درجة وضع الدعايات المضادة للإدمان في كل مكان، وفتح مراكز تأهيل، والأكثر تعاطيًا هو الأفيون والهيروين، هروبًا من وضع بائس يزيده المتشددون بؤسًا، وأما الدولة فيزداد استثمارها لـ«المظلومية» وترغب في أن تجر وراءها الطائفة الكريمة من الشيعة في الأماكن القريبة العربية للاستظلال بالمظلومية وحرب الشعارات. بعد عقود من الصراعات التي ذهب ضحيتها مليون عراقي ومليون إيراني على الأقل في الثمانينات من القرن الماضي، ما زال مسلسل الدم جاريًا في سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان! في حين أن موجات شبه الإصلاح في إيران تنكسر مرة تلو أخرى، أمام شهوة المتشددين أصحاب المصالح في إدامة الصراع واستنزاف الشعوب الإيرانية، وكلما انكسرت جرت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا، كما حدث عام 2009. نعود إلى صاحب الكلمة الأكثر طاعة في هذه الساحة اليوم الذي يركن إليه النظام السوري والنظام الإيراني والميليشيات التابعة لهم كحليف، روسيا الاتحادية، فإن كان يسمح لنفسه ببعض المناورة ضد خصمه السياسي، وهو الولايات المتحدة، فهي مناورة محسوبة ومسيطر عليها، فإنه حتى هذا الهامش الضئيل من المناورة غير موجود، وغير مسموح به من جانب الاتحاد الروسي تجاه «هدف المقاومة المعلن وهو تدمير إسرائيل». ما دام هناك اعتماد على روسيا الاتحادية في الملف السوري، والعراقي، والإيراني، والحوثي، فعلى إسرائيل أن تبشر بخير عميم، وكما نشرت مجلة «فورن أفيرز» العدد الماضي (يوليو/ تموز - أغسطس/ آب) في الملف الواسع عن إسرائيل أنها، كما يقول أكثر من كاتب «لم يمر عليها وقت نعمت به بسلام وطمأنينة كما هو الوقت الحالي». في ذاك العدد المشار إليه أكثر من مقال في تكييف العلاقة الروسية/ الإسرائيلية، ومدى قوتها وعمقها، وبعض التقارير الأخرى تؤكد أن كل أعمال الحرب الحالية في سوريا تمر بمركزية في مكان ما من إسرائيل، وتعرف الدولة العبرية عن شبكة التحركات كبيرها وصغيرها ومن يقوم بها وكيف! من جانب آخر، فإن إسرائيل في فترات مختلفة في الأربع سنوات الماضية أو حولها وجدت أن من حماية أمنها الوطني أن تقوم ببعض الجراحات في التصفية الجسدية أو تعطيل مرور أسلحة لا ترغب هي في وصولها إلى أيادٍ معادية. وفي كل الأحوال، لم يجد «محور المقاومة» طريقًا للرد على ذلك غير الكلام المرسل الموجه للسذج أصحاب الوعي الشقي! من اغتيال مغنية، إلى القنطار، وكثير من الذين ذهبوا في عمليات الاغتيال الإسرائيلية، لم يجد «حزب الله» طريقًا «للرد» بلا.. أخيرًا وجد طريقًا سلسًا للرد هو، كما فعل في اغتيال مصطفى بدر الدين، أن أعلن رسميًا براءة إسرائيل من ذلك الاغتيال، ولمح من بعيد إلى تورط روسي. لقد ثبت من الواقع على الأرض أن من أولويات روسيا في سوريا الأمن الكامل لإسرائيل، بعد كل ذلك هل بقي شيء اسمه المقاومة؟ نعم، ربما في خيال البعض الذي ما زال مصرًّا على تصديق كذبة كبرى في تاريخنا المعاصر. آخر الكلام: نفوذ روسيا في إسرائيل ظهر، الأسبوع الماضي، في الوساطة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي لم تستطع تحقيقه كل من واشنطن أو باريس. صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب إرجاء الموعد، إلا أن الصحيح الآخر أن الثقة متبادلة بين روسيا وإسرائيل، الخبر مُجير لأصحاب الوعي الشقي!