استمع شيخة الجابري في ظل هذا المتسع من الفوضى التي يضج بها سوق الكتَاب، كثيراً ما تتبادر إلى ذهني أسئلة مهمة حول ماهية المطروح من فكر، وهوية كتّابه، وأجدني أقع في حيرة ربما يقع فيها غيري ممن تعتبر القراءة زادهم اليومي، وبديلهم عن الأصدقاء الراحلين، أو الغائبين، أو المغيّبين، فالذي يحدث أن هناك إنتاجاً يتنامى ويتصاعد، حيث لا يتوقف هدير المطابع، كما لا يتوقف الذين يكتبون عن الكتابة، ولا أستطيع أن أطلق على جميعهم أنهم كتّاب حقيقيون. وباعتبار الكتابة كما يقال حقاً مشاعاً للجميع، فإن مسؤوليتها تتضاعف على من يمارسها، ولا أظن ممارسيها يكتبون من دون وجود موهبة ربّانية أصيلة لديهم، ذلك أن الموهبة أساس كل عمل أصيلٍ، وصادقٍ، ومفعم بالحيوية والتفرّد. أما الكتّاب المصنّعون في بيئات مختلفة نتيجة دورات تدريبية، فأولئك يقعون في إشكالية الصّدقية في إيصال الرسالة التي يودون إيصالها لقرائهم، هناك فرق كبير بين ما يضعه الله تعالى في روحك من موهبة، وبين ما يضعه الآخرون في روحك على سبيل التقليد. من هنا، فإن هذا الزخم الذي يشهده سوق الكتاب العربي ينظر إليه على أنه أمر صحي، وهناك دعوات كثيرة تشجع هذا الإنجاز المتدفق، ويثقون بآرائهم التي يؤمنون بها وبأحقية كل شخص في أن يكتب ما يريد، ويتركون أمر الاختيار وغربلة المنتج على القارئ، رغم أن القارئ لا يجد من يسانده في عملية الاختيار، أو التذوق أو إبداء الرأي نظراً لغياب النقد الحقيقي الهادف والبنّاء، لذا تكثر الكتب، وتمتلئ أرفف المكتبات، والحال في تزايد بالطبع. إن الكتابة التي ظهرت على شكل تصويري قبل 3 آلاف عام قبل الميلاد، وقال الجاحظ عن ممارسيها: يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره، تمثل وعي الإنسان، وتنقل من خلاله ما يعتمل في ذاته من تحولات، ومكنونات لا يعرفها سواه، وهي مسؤولية عظيمة على من يمارسها أن يضع لذاته من خلالها بصمة وهوية يُشار إليه من خلالها على أنه الكاتب الذي استطاع اختزال الحياة والناس في حرف فريد. كل عام وأنتم بخير قراءنا الكرام بمناسبة الحج العظيم، وحلول عيد الأضحى المبارك. qasaed21@gmail.com