كثيرا ما يشتكي القائمون على العمل الثقافي من ضعف الدعم المادي والمعنوي الذي يأتيهم من القطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء، وهي ولا شك شكوى واقعية في كثير من جوانبها، وذلك لعدم إيمان الكثير من أصحاب المال أو المسؤولين عن المؤسسات الحكومية بجدوى إقامة فعالية ثقافية يصفها بعضهم بأنها "مجرد كلام". وللحق، فإن الكثير مما يسمى فعاليات ثقافية، هو مجرد كلام جامد ومكرر قد تسمعه كثيرا داخل قاعات الدرس الأكاديمي في الجامعات السعودية، وبالتالي قد لا يحدث فرقا واضحا لدى المتلقي المهتم بالأدب والثقافة فما بالك بغيره. إذن، فالمشكلة والخلل في فهم معنى "ثقافة" لدى منظمي بعض الفعاليات وخصوصا في المؤسسات الثقافية الرسمية أو شبه الرسمية، فالثقافة في الواقع والتعريف الشامل "فنون وآداب وحرف ومعارف إنسانية لا حد لها"، ولكنهم بدلا من تطبيق التعريف المعروف لها، حصروها في زاوية ضيقة جدا من النقد الأكاديمي المدرسي أو "النظام" التعليمي الفقهي البسيط، فرسخ في أذهان عامة الناس وخاصتهم أن الفعل الثقافي مجرد محاضرة أو أمسية شعرية (نظم). وبالطبع، هما لم تعودا مغريتين خصوصا في ظل التغيرات الحضارية التي يمر بها المجتمع وتحول الكثير من شبابه إلى فنون ومعارف جديدة. ولأن "المجتمع مثقف بطبعه" كما يقول، ويؤكد على أسماعنا دائما، أستاذنا إبراهيم طالع الألمعي، فإنه يحتاج إلى من يبحث عن ثقافته بعمقها الحقيقي، بعيدا عن التكلف والتقعر الأكاديمي أو التوظيف الأيديولوجي الذي يمارس حاليا في الكثير من الفعاليات الثقافية الموجهة للمجتمع. ولعلي هنا أستشهد بتجربة "مجلس ألمع الثقافي" الذي يحاول منذ عامين -هي عمره الزمني القصير- تشكيل هوية جديدة وأطر مختلفة، للفعل الثقافي، الذي يحافظ على المكانة العلمية والفكرية للكلمة والفن الراسخة جذوره في عمق الأرض، من جهة، وينطلق للمجتمع، من جهة أخرى، بكل فئاته وأطيافه وثقافاته، دون تحيز لفن أو اتجاه أدبي أو فكري معين، فكل همه وهم القائمين عليه هو البحث عن مواطن الجمال والإبداع فقط، فأينما حلت ستجد المجلس موجودا. فأرشيفه خلال العامين المنصرمين يشهد بأنه استضاف الأديب والمؤرخ والمفكر والفنان والشاعر الشعبي وصاحب الإنجاز في مجالات كثيرة، طبعا ـ حسب إمكاناته المادية البسيطة مقارنة بغيره ـ ولكنه وجميع المحبين والمتفاعلين مع فعله، نجح إلى حد كبير، في جذب الانتباه والحضور المميز. ولعل ما حدث في احتفاله الختامي لبرامج عامه الثاني مساء أول من أمس، أكبر دليل، حيث تقاطر عليه المساهمون ماليا ومعنويا من مختلف فئات المجتمع، وأبدى الكثيرون استعدادهم لدعم مسيرته والمشاركة الفاعلة في نشاطاته المستقبلية. وهذا لم يأت مجاملة لأحد، بل لأن هؤلاء اقتنعوا بأن هناك من يحرص على خدمة ثقافتهم بمفهومها الشامل بحماس وصدق ودون أي حسابات خاصة.