×
محافظة المنطقة الشرقية

إخماد حريق في مطبخ مخيم بمشعر منى

صورة الخبر

يعتبر الانسان هو الفاعل الحقيقي في البناء الحضاري والانساني , وبقدر الارتقاء القيمي والاخلاقي له بقدر ما ترتقي الحضارات وتحقق مقاصدها , و الاسلام كمنظومه متكاملة للقيم والاخلاق يعتبر الانسان محوراً للتغير واساسا للبناء الحضاري كفاعل مؤثر فيهما (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) وبهذا المنطق يعتبر الإسلام صلاح الفرد سلوكا واخلاقا و روحا هو الرافد الحقيقي للبناء الحضاري و الانساني عبر إعداد الانسان الصالح ظاهرا وباطنا والمتصالح مع نفسه ومجتمعة , و المدرك لحقيقة وجوده ومسؤوليته في الحياة . التشريعات تحقق المقاصد لأجل ذلك كانت التشريعات المختلفة في الاسلام تصب في تحقيق هذا المقصد، فحقيقة العبادات وجوهرها في أنها وسيله لتحقيق معاني الصلاح والتقوى والاستقامة الظاهرة في السلوك والباطنة في القلب والروح، فالله مثلا يقول (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) فعبادة الهدي والاضحية مقصدها تحقيق التقوى، وكذلك الصوم ( .. لعلكم تتقون ) و في الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ..) وهكذا ..فكما في العطاء تربية فكذلك الاخذ فيه تربية وتهذيب لهذا الانسان، وهذا هو جوهر العبادات وفلسفتها القائمة على تهذيب السلوك الظاهر والباطن للانسان، ومن لم تؤدي فيه العبادات هذا المقصد فإن العبادات تصبح حركات شكليه لا معنى حقيقي فيها او اثر في واقع الحياة، وقد شبه رسول الله العبادة عندما تُفرغ من هذا المعنى بقوله (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في إن يدع طعامه وشرابه ) وشبه من يؤدي العبادات ويحرص عليها ثم لا تؤثر في سلوكه وفعله بالمفلس . وعند التأمل في تعدد العبادات في الاسلام واثرها في تربية النفس وتهذيبها نجد كل نوع من العبادة يسلك مسلكا يقصد جانبا تربويا من الانسان، بينما نرى في الحج انه عبادة اخذت اكثر من مسلك واكثر من معنى وبالتالي تعددت مقاصدها بين العبادة القولية والفعلية والمالية وهذا يجعلها عبادة ذات مقاصد تحمل في طياتها العديد من المعاني والمقاصد الجامعة. جوهر الحج يمثل اختبارا عمليا إن جوهر عبادة الحج يمثل اختبارا عمليا جامعا لسائر العبادات في الاسلام , ليس في الاداء فحسب بل في تأكيد معانيها ومقاصدها , فالتوحيد كأساس لهذا الدين يقوم على نبذ الشريك لله تعالى في كل ما يختص به الله تعالى من سؤال او تعظيم او قربة ونحوه , وهذا الاختبار يقوم على ان الآمر بنبذ الشرك والطواف حول الاوثان هو ذاته الآمر بالطواف والسعي و الرمي لحجر !، وهذا المعنى يخلق التجرد المطلق للآمر واحياء معنى الامتثال والتربية العملية للفعل والترك , وهذا المعنى الذي ادركه الخليل ابراهيم عليه السلام في رحلة البلاء والامتحان التي خُتمت بكمال الاستسلام والانقياد لله تعالى ( فلما اسلما..). إن توجيه الحاج الى انه جاء لأداء مناسك لها معانيها الايمانية ومقاصدها التربوية يحوِّل شعيرة الحج الى فريضة ذات مقام تربوي وايمانية عظيم , والتي تستحق ان تصل ثمرتها الى عودة الانسان بعد هذه الرحلة الايمانية والتربوية .. ( كيوم ولدته أمه ..) . إن التربية العملية بالحدث زمانا ومكانا وواقعا أثبتت قدرتها على إحياء معنى التفاعل و الادراك الحقيقي لمقاصد الاشياء، فمرور الحاج في مناسكه بالعيديد من الاحداث واستشعاره لمقاصدها ومعانيها ودلالتها التربوية له بالغ الاثر في اجتماع هذه المؤثرات لإيقاظ المعاني التربوية واحياء روافد الايمان في القلب، ليكون الحج مدرسة للتربية الايمانية يستحق مباهاة الخالق، ويموت هذا المعنى عندما يتحول اداء المناسك الى اعباء وتكاليف يسقطها الانسان دون ادارك لمعانيها ومقاصدها، ليعود بعد حجة كحال القائل .. (إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ .. فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ);