تمتلك العالمة والداعية الشهيرة د. آمنة نصير، عضو مجلس النواب المصري، وأستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية، والعميدة السابقة بجامعة الأزهر رؤية إسلامية واضحة في مختلف القضايا الأسرية والاجتماعية، حيث ترفض خلط الأوراق والاستسلام لهواة إدانة الشريعة الإسلامية وتحميلها مسؤولية ما تعاني منه المرأة خاصة والأسرة عامة من مشكلات وأزمات في بلادنا العربية، وتتصدى بعلم ووعي عميق وحماس ديني محمود لهؤلاء الذين يقلبون الحقائق ويتحدثون عن الإسلام بلا علم ولا انتماء. التقينا بها وسألناها عن قضايا إسلامية عديدة تخص المرأة والأسرة والمجتمع، وتالياً نص الحوار معها: * كيف تنظرين إلى سلوكيات المسلمين وهم يحتفلون بالعيد؟ - المسلمون يعيشون في حياتهم العامة والخاصة هموماً وأزمات كثيرة، ولذلك يجب أن نساعدهم على الخروج من الشعور بالألم وهم يحتفلون بالعيد، فقد أراده الله يوم بهجة ومودة وصلة رحم وعطف على الفقراء والمساكين وزيارة المرضى وغير ذلك.. وأنا أناشد كل مسلم أن يعيش بهجة العيد دون أن يرتكب سلوكاً مخالفاً لتعاليم دينه، ومن دون أن ينشغل عن الصلاة، كما أناشد المسلمين أن يصلوا أرحامهم، وأن يكثروا من بر الوالدين، وأن ينتهزوا هذه المناسبة الطيبة ليصفوا خلافاتهم مع الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، فالسعادة الحقيقية تأتي نتيجة شعور الآخرين بالرضا عنك. والعيد يمثل فرصة لاقتناص هذه السعادة. الحرص على الواجبات *يشكو كثير من الأزواج والزوجات من غياب السعادة الزوجية.. بماذا تنصحهم د. آمنة نصير؟ ـ السعادة التي يتطلع إليها كل واحد من الزوجين تكمن في الحرص على الواجبات، وأنا دائماً أنصح الأزواج والزوجات، وأقول لهم: لابد أن يؤدي كل واحد منكما واجباته قبل المطالبة بحقوقه، فالزوجة مثلاً يجب أن تكون مطيعة لزوجها عن رغبة لا عن رهبة، فالطاعة في غير معصية الله هي رسول الحب، وأبرز دلالات حب المرأة إخلاصها لزوجها وحرصها عليه، وهي تفرض على الرجل أن يكون محباً لزوجته حريصاً على إرضائها مرتبطاً جداً بها. ومن حقوق الزوج على زوجته ألا تدخل أحداً بيته في غيابه إلا بإذنه، وألا تخرج من بيته إلا بصحبته أو بإذنه ورضاه وأن تحافظ على أمواله وأن تلبي رغبته في المعاشرة الزوجية إذا لم يكن بها عذر شرعي مقبول. كل هذه حقوق للزوج على زوجته، ولا توجد زوجة تراعي كل ذلك وتعاني من مشكلة في علاقتها بزوجها، فالمشكلات والأزمات والنفور يأتي من إهمال الحقوق. أما حقوق الزوجة على زوجها فهي أن يعفها ويحقق لها المتعة التي تبحث عنها وأن ينفق عليها دون تقتير وأن يحترم مشاعرها ويستشيرها في أمور الأسرة وألا يهينها أو يهدر كرامتها الإنسانية أمام أحد أو بعيداً عن عيون الناس.. وألا يحرمها من صلة رحمها ومودة أسرتها. والزوج الذي يعاشر زوجته بالمعروف سيجني ثمار ذلك حباً وطاعة وسعادة، لكن للأسف بعض الرجال يفتقدون العقل والحكمة ويتحكمون في زوجاتهم تحكم السيد في العبد، وهذا هو الذي يزرع القسوة في نفوس الزوجات ويدفعهن إلى التمرد وإعلان حالة العصيان والتحدي. الثقافة المغشوشة * وكيف تنظرين إلى الفتاوى المتشددة التي تلاحق المرأة في بلادنا العربية وتحيطها بالمحرمات؟ ما تأثير ذلك على مسيرة المرأة ودورها في تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي تنشده كل أقطارنا العربية؟ - هذه فتاوى منحرفة ولا يمكن أن تصدر عن أشخاص أسوياء، وأصحاب هذه الفتاوى المتشددة لا يمثلون الإسلام ولا ينبغي الحكم على هذا الدين العظيم من سلوكياتهم الغريبة وفتاويهم المضللة ورؤاهم الضيقة، بل يجب التصدي لهذه الفتاوى التي تستهدف المرأة وفضحها وكشف باطلها للناس ليكونوا على حذر منها، فالإسلام الذي تعلمناه واستقيناه من مصادره الصحيحة كرم المرأة على أفضل ما يكون التكريم، وأوصى الرجل بها خيراً وبين أنها ستار ووقاية له، وهو ستار ووقاية لها، وكان التعبير القرآني أبلغ ما يكون، حيث قال الله تعالى عن هذه العلاقة: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. وبين الله تعالى الغاية المنشودة من حياة الزوجين، وهي السكن والمودة والرحمة، فقال الله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.. وأمر الله سبحانه وتعالى كل الرجال بمعاشرة نسائهم بالمعروف، حيث قال جل شأنه: وعاشروهن بالمعروف. وكان من آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أمور، حيث قال: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولذلك فالمرأة شريكة الرجل في تحمل كل المسؤوليات داخل الأسرة وخارجها، ومن هنا لا يحيطها الإسلام بالقيود والمحرمات، كما يتوهم هؤلاء من أصحاب الثقافة الدينية المغشوشة. تقاليد ظالمة * هل ترين أن المرأة المسلمة تحظى داخل مجتمعاتها العربية والإسلامية بالحقوق الشرعية التي كفلها لها الإسلام؟ ـ المرأة العربية لا تزال محرومة من معظم حقوقها الشرعية، وهذا سبب مباشر لمعاناتها اليومية، فمعظم مشكلات المرأة الحياتية ترجع إلى عدم حصولها على الحقوق التي كفلتها لها شريعتها الإسلامية. * البعض يرى أن إهدار حقوق المرأة المسلمة على أيدي الرجال المسلمين يؤثر على صورة الإسلام في الغرب.. فهل تتفقين مع هؤلاء؟ - نعم هذا الكلام صحيح إلى حد كبير، لكن علينا أن نفرق بين ما جاء به الإسلام من تشريعات عادلة تنظم علاقة المرأة بكل المحيطين بها من أب وأم وإخوة وزوج وأولاد وغيرهم، وما تعاني منه المرأة الآن بسبب جهل الرجال بحقوق زوجاتهم الشرعية أو بسبب العادات والتقاليد المتوارثة التي تحرم المرأة من معظم حقوقها الشرعية، ومشكلة الغربيين أو خصوم الإسلام عموماً أنهم يحكمون على الإسلام من خلال السلوكيات الخاطئة لبعض المسلمين، وهذا خلط أحياناً يكون متعمداً بقصد الإساءة للإسلام، وأحياناً يكون عن جهل، وهو في الحالتين يسيئ لأصحابه لأن الحكم الموضوعي على الإسلام ومواقفه يكون من خلال تشريعاته وأحكامه وليس من خلال سلوكيات خاطئة لبعض المسلمين. وهذا الخلط الفاضح بين سلوكيات بعض المسلمين وشريعة الإسلام مرفوض ومدان، كما أن كل سلوك أحمق يرتكبه أي مسلم ضد المرأة سواء أكانت ابنته أو زوجته أو شقيقته أو أمه مرفوض ومدان، وعلينا جميعاً أن نعود إلى تشريعات الإسلام ونحترمها ونلتزم بها ليعود الاستقرار والأمان النفسي والاجتماعي إلى حياتنا. مظهر وجوهر * البعض يرى أن انتشار الحجاب بين الفتيات في معظم الأقطار العربية والإسلامية ليس مؤشراً لحالة تدين حقيقي، حيث نرى سلوكيات بعض المحجبات بعيدة إلى حد كبير عن أخلاقيات الإسلام.. هل تتفقين مع هؤلاء؟ - أختلف معهم، حيث لا ينبغي أن نشوه كل مظهر إسلامي جميل في حياتنا، وأرى أن من واجبنا أن نشجع بناتنا ونساءنا على الالتزام بالزي الشرعي بكل الوسائل، فالمرأة المسلمة مطالبة شرعاً بأن تستر عوراتها وأن تحتشم في ملابسها وأن تكون قدوة طيبة في سلوكها، وأن تبتعد عن كل وسائل الإثارة التي نشاهدها الآن في شوارعنا ونوادينا وجامعاتنا. لكن علينا أن ندرك أن التدين ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو في جوهره مظهر وسلوك وعمل والتزام في السر والعلن، هو التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون مظهراً شكلياً فالتي ترتدى الحجاب ولا تصلي ولا تصوم ولا تلتزم بالآداب والأخلاقيات الإسلامية الفاضلة لا يمكن أن تكون متدينة، وهناك كثير من الناس رجالاً ونساء متدينون وملتزمون دينياً وأخلاقياً يحسبهم الجاهل المهتم بالمظاهر الشكلية بعيدين عن التدين لأنهم يعيشون حياتهم على نحو عادي في ملبسهم ومطعمهم ومسكنهم، ولكنهم لا يؤذون أحداً وملتزمون بواجباتهم الدينية من دون مباهاة. على كل حال لابد أن نشجع بكل الوسائل ظاهرة التدين بين الشباب من الجنسين وأن نقدم النصائح والتوجيهات الدينية الخالصة لهم لكي يكون تدينهم تديناً حقيقياً خالياً من الرياء والاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، وأن نوضح لهم أن التدين الحقيقي ليس رسوماً ولا أشكالاً ولا طقوساً مظهرية، إنما هو علاقة حميمة تربط بين الإنسان وربه، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف. رؤية جاهلية * لا تزال بعض الفتاوى تحظر على المرأة تولي المناصب القيادية.. فهل تمثل هذه الفتاوى رؤية إسلامية معتبرة؟ ـ لا، على العكس، هي تعكس رؤية جاهلة بالإسلام وشريعته، فالإسلام يرحب بالمرأة القائدة المتميزة القادرة على القيادة، وشريعتنا لم تحرم المرأة من المناصب القيادية، وهناك بلاد إسلامية كثيرة تولت المرأة فيها قيادة حكومات وقيادة وزارات وتحملت فيها مسؤوليات، والإسلام لا يحرم المرأة من تولي مناصب عليا في الدولة، فلها أن تشغل من المناصب ما يتلاءم مع طبيعتها ومع خبراتها وكفاءتها ومؤهلاتها، وعلماء المسلمين في مختلف العصور الإسلامية نظروا إلى علم المرأة نظرة تقدمية، فقال بعضهم ـ مثل الإمام ابن حزم ـ بجواز أن تتولى المرأة الحكم، وهذا هو أيضاً رأي الإمام أبي حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور، والإمام ابن جرير الطبري أجاز للمرأة أن تتولى القضاء في كل شيء يجوز للرجل أن يقضي فيه من دون استثناء، وقد روي أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ولى الشفاء بنت عبد الله المخزومية قضاء الحسبة على سوق المدينة، وهي وظيفة دينية مدنية تتطلب الخبرة والصرامة. * وكيف تنظرين إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة الذي يستشهد به البعض على إقصاء المرأة من مواقع القيادة والتأثير؟ ـ هذا دليل أصحاب الأفهام الضيقة، لأن الحديث النبوي الصحيح له مناسبة خاصة، ولا يمكن أن نستنبط منه قاعدة عامة، فعندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال هذا الحديث، وقد استنتج منه الفقهاء أن المرأة لا تلي على الرجال ولاية عامة، بمعنى رئاسة الدولة أو الخلافة، ولكن لا يجوز أن يغيب عن ذهننا أن القرآن قد أثنى على ملكة سبأ في سورة النمل، وامتدح حكمتها في معالجة الأمور، وهذا أمر له دلالة مهمة تعبر عن مدى تقدير القرآن الكريم للمرأة وكفاءتها وحسن تصرفها وهي في أعلى منصب وأشرف مكانة.