استمع يونس السيد ما بين النوايا العدوانية الصهيونية لإعادة احتلال قطاع غزة وتدميره بيتاً بيتاً على رؤوس ساكنيه، على غرار العملية الروسية في الشيشان، وما بين الترويج لإمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد وحتى فك الحصار، ثمة مساحة هائلة تبدأ من النقيض إلى النقيض، ولكنها تؤشر إلى مدى الحيرة والارتباك الذي يخيم على قادة الكيان في كيفية التعامل مع هذا القطاع. فعلى مدى عقود من الزمن، ظلت غزة شوكة في حلق الاحتلال، وفشلت كل أدواته التدميرية وعمليات الاغتيال والمجازر وجرائم الحرب التي ارتكبها في ترويضها، إلى الدرجة التي جعلت صاحب سياسة تكسير العظام اسحق رابين يحلم بأن يصحو من النوم ليجدها قد غرقت في البحر، ليقوم بعد ذلك بسنوات صاحب سياسة البطش والتنكيل مرتكب المجازر الجماعية الإرهابي شارون بتنفيذ انسحاب أحادي الجانب منها. وخلال العقد الأخير، شهدت غزة ثلاث حروب تدميرية، وفرض عليها الحصار براً وبحراً وجواً، لكنها بقيت صامدة وشامخة وعصية على الكسر، لا بل باتت مصدر الخطر الذي يتهدد الكيان واستمرار وجوده على أرض فلسطين. واليوم يعاود صقور قادة الاحتلال رسم ملامح جديدة لكيفية التعامل مع غزة، ويذهب وزير الحرب الجديد أفيغدور ليبرمان بدعم من رئيس حكومة أحد عتاة التطرف والإرهاب بنيامين نتنياهو إلى حد التهديد بإعادة احتلال قطاع غزة حتى لو تحول إلى منطقة خراب، لإعادة ما يعتقد أنه أسرى أو جثامين لأسرى إسرائيليين وقعوا خلال الحرب العدوانية الأخيرة في قبضة حماس. ليبرمان يريد أن يجرب حظه مع غزة، التي لم تعد مجرد عش للدبابير، بل مقبرة لجنود الاحتلال، فقد استهل عهده بسلسلة من الغارات الجوية وعمليات القصف بمنحى تصاعدي يهدف إلى تسخين المواجهة، لكن يبدو أن هذه الرغبة غير موجودة لدى قادة كثيرين ومن بينهم رئيس الأركان غادي ايزنكوت الذي لايزال متردداً في إرسال ما يسمى قوات النخبة لاستعادة أسراه من وسط غزة، ما دفع الكثير من المعلقين الإسرائيليين للحديث عن أن ما يفعله قادتهم ليس سوى الكلام، وأنهم لم يعودوا هم من يحدد قواعد اللعبة. وهناك من يذهب إلى التحذير من مخاطر مثل هذه الخطوة أو التفكير بإعادة احتلال غزة، لأن ثلاث حروب متتالية لم تردع المقاومة التي باتت أكثر قوة وشراسة، ولأنهم يعتقدون أن أحداً لن يخرج منتصراً في الحرب المقبلة. وهناك أيضاً من يعتقد أنه من الصعب تصور جحيم الحرب التي تنتظر جيش الاحتلال، أو إمكانية فرض سلطته، لو نجح في السيطرة، على نحو مليوني إنسان بعد تدمير حياتهم ومنازلهم، وهل هناك من لايزال يعتقد بإمكانية إرسال مستوطن واحد إلى القطاع. البعض بات يرى الحل في إقامة جدار خرساني على طول حدود القطاع وبعمق عشرات الأمتار تحت الأرض لإبطال مفعول الأنفاق الهجومية، وتحدثت صحيفة يديعوت احرنوت عن بدء تنفيذ هذا المشروع بالفعل بكلفة ضخمة تقدر بنحو ملياري شيكل، وتشير إلى أن عمليات البناء بوشرت أولاً بمحاذاة المستوطنات الملاصقة للقطاع، ليصار مده لاحقاً على طول الحدود التي تفصل القطاع عن المناطق المحتلة عام 48، لكنها أشارت إلى عراقيل تعترض توفير المال، والأهم هو الضمانات التي يمكن أن يوفرها لأمن المستوطنات. وسط كل هذا الارتباك، هناك من الإسرائيليين من يروج لإمكانية التوصل إلى هدنة مع غزة، وفك الحصار عنها، وتوفير اقتصاد جيد للسكان مع إتاحة حرية الحركة وتشغيل الميناء والحصول على المياه العذبة وحق الصيد في البحر. younis898@yahoo.com