قرأت خبرا عن حافلة في الصين تعرضت لحادث على أحد الطرق السريعة، بسبب الضباب الكثيف، وكانت تحمل أقفاصا بها مالا يقل عن ثـلاثة آلاف دجاجة، وانتشر الدجاج على الطريق وتوقفت عن السير آلاف السيارات الصغيرة والشاحنات. وحضر مئات رجال المرور للقبض والسيطرة على الدجاجات، وحسب ما شاهدته في (الفيديو) المعروض، فقد كانت المطاردة هزلية، لأن الكثير من الرجال إما تزحلقوا ووقعوا على الأرض أو اصطدموا ببعضهم البعض من سرعة روغان الدجاج. وحسب خبرتي ليس هناك أصعب من أن تمسك بدجاجة، حتى لو كنت أنت وهي وحدكما في غرفة مغلقة، ومن لا يصدق كلامي هذا فليجرب، وأنا أراهنه على اللي في جيبي لو أنه استطاع أن يمسك بها قبل أن (يصيح) من شدة التعب ومن كثرة (المطامرة)، فالإمساك بامرأة متمردة، أسهل بمراحل من الإمساك بدجاجة خائفة. المهم أن المطاردة استمرت وقتها طويلا، وكنت لا أسمع سوى أصوات متداخلة مع ضحكات ولعنات، ولم أميز أو أفرق بين صياح الديكة أو مكاكات الدجاجات، وبين مخارج ألفاظ الصينيين التي تكاد أن تحاكيها. والآن كأني بالتاريخ يعيد نفسه، فقبل أكثر من خمسة عشر عاما، وفي منتصف الطريق تقريبا ما بين الرياض والطائف، حصل حادث مماثل، فقد انقلبت شاحنة محملة كذلك بأقفاص تحوي آلاف الدجاجات، وكان الوقت شتاء، والظلام دامسا. وعندما تكسرت الغالبية العظمى من الأقفاص جراء ذلك، انطلقت أسراب الدجاج، واتجهت تلقائيا وغريزيا نحو نور بعيد في الصحراء. وكان مصدر ذلك النور هو بيت شعر لرجل من البادية، فقد اصطف الرجال وكبروا يصلون، وبينما هم وقوف في ركعتهم الثالثة راعهم أنهم يسمعون خلفهم أصواتا غريبة كلما اقتربت ترتفع همهماتها، ولم يستطيعوا تفسيرها وتحديدها، غير أن أحد المصلين ويبدو أنه خفيف الإيمان وخفيف العقل ورعديد كذلك، فلم يقدر على تمالك نفسه حتى التفت للخلف، وإذا به يشاهد على ضوء النار المتوقدة جحافل الدجاج وهي تملأ الرحب فصاح بالمصلين قائلا بلهجته الدارجة: (انحاشوا جوكم الجن)، فتفاقع كل من كان خاشعا في الصف، ويقال أن الإمام كان أول من (فقع) ـ أي هرب. ولا شك أن معهم العذر من ردة فعلهم السريعة تلك، ولو أنني كنت معهم لسبقت الإمام بالهروب، فمن هو العاقل الذي يتصور في هذه الصحراء القاحلة آلاف الدجاجات تطبق عليه دفعة واحدة ثم (لا يدخل الذرة) ــ أي لا يطلق ساقيه للريح ــ ؟!. ووالله لو أن (عنتر ابن شداد) قد حصل له ذلك الموقف لتعدى أخاه (شيبوب) في سرعة الركض، ولن يرده غير مستشفى (شهار ) في الطائف.