يبدو الصراع العسكري مختلفاً جداً وفقاً للنقطة التي نطل منها، فرؤيتك لساحة المعركة من نقطة الإطلال ستبدو مختلفة جذرياً لو كنت، مثلاً، في واشنطن، وأكثر اختلافاً لو كنت في مكان مثل وول ستريت؛ لهذا فرؤية أراضينا كساحات قتال طوال الوقت تجعلنا نشاهد هذه الصراعات من نقطة إطلال واحدة على الأرض. من هذه النقطة، بالطبع، ستكون الضرورة هي التقاتل مع القوة العسكرية الغازية أو العدوانية، وستكون أيضاً رفع مستوى قدرات أسلحتنا والحط من قدرات العدو. فنجد أنفسنا نتعامل على أساس قطعة بقطعة، ومنطقة بمنطقة. فالنصر، بل البقاء على قيد الحياة، سيتطلب منا أن نعمل بهذه الطريقة. عندما نكون على الأرض، يكون الشيء الملح هو كيفية منع حدوث غارة جوية، وكيفية تجنبها إن حدثت، وإن كان ممكناً أيضاً، كيفية إسقاط طائرة مقاتلة. فمن نقطة الإطلال هذه، تكون المخاوف فورية وتهدف تكتيكياً لانتصارات قصيرة المدى: مثل وضع الكمائن وضرب نقاط التفتيش والقوافل. أما التخطيط المتوسط إلى طويل المدى فهو أيضاً يكون في إطار إلحاح ساحة المعركة: مثل هل يمكننا أن نطور طريقة للتشويش على إشارات الطائرات بدون طيار؟ هل يمكننا أن نقوم بتصنيع أسلحتنا؟... إلخ. وإذا تحققت انتصارات صغيرة كافية، فلربما تشكلت فيما بينها في صورة انتصار نهائي. من واشنطن، كما تتوقعون، فإن المشهد يختلف تماماً... فالأسلحة والدعم لك ولخصمك مجرد صمامين، جنباً إلى جنب، يتم فتحهما أو غلقهما بتزامن دقيق للحفاظ على توازن القوى في ساحة المعركة، حتى يتم تخليق جو يفضي إلى وضع حل سياسي لا مفر منه، فيتم بعد ذلك اقتراحه، ثم يتم فرضه من قِبل السياسيين المحسوبين على كل حكومة متورطة في الصراع. هذه العملية بطبيعة الحال مكلفة، وبالتالي يتم عرض هذه النفقات بصفتها حيوية للأمن القومي للبلد عند إرسال طلبات ميزانياته إلى الكونغرس. ومن ثم يوافق الكونغرس على هذا التقييم، ليس لأن هذه النفقات حيوية للأمن القومي، ولكن لأنها دخلت الكونغرس، جزئياً، بدعم مالي كبير من صناعة الطيران والدفاع. الإطلال من نقطة وول ستريت مثله مثل الإطلال من الأرض في ساحة المعركة، فكل طائرة مقاتلة تم إسقاطها، وكل دبابة تم تعطيلها، وكل صاروخ تم إطلاقه (سواء ضرب هدفه أو لا)، يتم الاحتفال به. على خلاف الأمر على أرض المعركة، فإن كل مستشفى يتم قصفه، وكل جسر يتم هدمه، وكل مدينة يتم تدميرها، بغض النظر جانب الصراع الذي أثرت فيه، يتم الاحتفال بها أيضاً. فحيث نرى الأنقاض، يرون هم الأسواق، وحيث نرى نحن خسارة للعدو عندما يتم تدمير أسلحته، يرون هم فرصاً مضمونة لبيع بضائع جديدة. وبغض النظر عن الجانب السائد مؤقتاً في الحرب، فالإطلال من وول ستريت سيجعلهم يرون انتصاراً ناشئاً عن صعود سعر الأسهم. فكل قطاع رئيسي في الاقتصاد الأميركي مرتبط بالإنتاج الحربي: التكنولوجيا والبناء والاتصالات السلكية واللاسلكية، والفضاء، وصناعة السيارات، وبالطبع الدفاع والأسلحة... باختصار، كل شيء! فمن خلال كل أزمة مالية كبيرة حدثت في العقدين الماضيين، تمتعت الصناعات القائمة على الحرب بالازدهار دونما انقطاع. السلطة السياسية المجتمعة لكل هذه الصناعات تعتبر بلا مثيل في الولايات المتحدة، فقوتها الاقتصادية تقزم العديد من البلدان الصغيرة، وعندما نتحدث عن الشركات، فنحن لا نتحدث عن كيانات مجهولة الهوية، ولكننا في الواقع نتحدث عن ملاك هذه الشركات: أو المساهمين فيها. نحن نتحدث عن فاحشي الثراء الذين ينظمون ثرواتهم في شكل شركات، ويمولون السياسيين، بل ويعينونهم كما يعينون الرؤساء التنفيذيين، وكما يكلفونهم بمهمة زيادة قيمة أسهم شركاتهم... وهم يفعلون هذا من خلال سياسة الحكومة، فإذا فشلوا في القيام بالمطلوب، مثل أي رئيس تنفيذي فاشل، يتم استبدالهم. وهكذا، يكون الحافز والدافع الأكبر وراء السياسة هو خدمة المصالح المالية لهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.