يحقق المقترح أدناه غايات ثقافية، اقتصادية، إنسانية، وسلة حلول لتكسير صلابة قناعات لدى المجتمع السعودي، تحديدا بعض تياراته الرافضة لوجود ممارسات محددة على الأراضي السعودية، وتتعايش معها، بل وتمارسها خارجها. ووفقا لإحصاءات رسمية يوجد أكثر من عشرة ملايين غير سعودي على الديار السعودية بصفة دائمة، مضافا إليها رقم مليونين آخرين لناحية العمرة والزيارات الموقتة. واستكمالا لطموحات رؤية 2030 نحو تليين الصدور وتوسيعها لاستقبال الآخر وثقافاته، إضافة إلى كسر رتابة الحياة، مضافا إلى ذلك بناء اقتصاديات وأسواق جديدة، مع زيادة بناء الجسور بين الشعب السعودي وشعوب العالم، وبين الغرف التجارية السعودية وغرف التجارة العالمية، وكذلك بين الحكومة السعودية وحكومات العالم، فإن السعودية باتت حاليا (مكانا وزمانا) أقرب لتأسيس وإطلاق مهرجانات للجاليات. تتلخص الفكرة بدعوة الجاليات الأجنبية (من خلال تنسيق مع سفاراتها) لتحديد مكان وزمان لإقامة مهرجانات ثقافية واقتصادية، تتنقل بين مدن سعودية، كنوافذ لتلاقي الشعوب، وتبادل الموروث، والصناعات الخفيفة والمتوسطة، وتساعد الناس (خاصة السعوديين) على التقارب مع شعوب جاليات تعيش فيها. يأتي هذا المقترح بعد أن تموضعت السعودية في الجزء الأخير لتقرير أممي عن أسوأ البلدان الحاضنة لأيادٍ عاملة لناحية الاندماج مع المجتمع، ويقصد بذلك أن الجاليات الأجنبية تواجه صعوبة في التداخل والتماهي مع السعودي فردا وعائلة وثقافة. يتوجب ـ لتحقيق نتائج متكاملة من هذا الاقتراح ـ أن يكون مكان فعاليات المهرجان كأنه قطعة أرض من بلد الجالية تم نقلها إلى السعودية (مثال ذلك: إذا كان المهرجان للجالية الهندية، يصبح كأنه مهرجان يقام في الهند بكامل تفاصيله، يفصله عن المدينة السعودية بوابته) مع بعض التقنين الخفيف، وليس التشويه الكثيف. نحتاج كسعوديين (الطبقة الوسطى أو الأقل) لذلك، أكثر من حاجة الجالية ذاتها، للتعايش مع مهرجان يكشف جزءا من ثقافة واقتصاديات شعوب يعيش ملايين منهم بيننا كأيادٍ عاملة، لكننا نجهل عوالمهم، موروثهم، كدحهم، فنونهم، إضافة إلى حاجة الجالية لمعرفة أننا نحترم وطنهم، وأنماط حياتهم هنا هناك. وتحتاج الأسواق السعودية لاكتشاف منتجات جديدة موجودة في بلدان شرق، وجنوب الكرة الأرضية، وكرد فعل ستتدفق الجاليات على مهرجاناتنا المحلية. من ناحية موازية، فإن احترامنا لموروثنا ينمو تدريجيا مع الأجيال القادمة حينما يكتشفون البون الشاسع بيننا وبين الأمم لناحية تقدير وتوظيف الموروث في ترقية الوطنية، والمواطنة الصالحة، فكلما انغرست الجذور في الأرض يصعب اقتلاعها. يأخذني الخيال إلى أن يتم في كل مدينة تخصيص مساحة أرض، وكيان إداري مهتم تواليا ببناء خيام ثقافة وتسوق للجاليات، ويكون بديلا سياحيا لتقليص فاتورة الإنفاق المليارية السنوية التي يسكبها السعوديون في الديار البعيدة. تستطيع مهرجانات الجاليات ـ مع ديمومتها ـ تحسين صورة السعودية كبلد وكشعب سهل الاندماج معه، يمتلك ثقافة أصيلة لقبول الآخر، وأن السعودية كبلد يحقق نموا في صناعة بيئات أفضل للجاليات المقيمة فيها، وأيضا كرد ثقافي سيتم دعوة السعودية لإقامة مهرجانات في بلدان الجاليات. يصنع ذلك من المقيم مواطنا آخر، يمتلك حس المواطن الأصيل تجاه كل عمل يقوم به من زراعة الشارع إلى بناء ناطحات السحب، ويعي أنه في بلد يحترم ثقافته، وبلده، بينما نحن السعوديين سنفتش أكثر عن أدوات تخدم موروثنا، المواطنة الصالحة، والاعتزاز دوما بأن السعودية فوق هام السحب. jeddah9000@hotmail.com