خلال أسبوع واحد ثار جدل حول مسألة الوقوف للنشيد الوطني، في بلدين مختلفين، جهة وثقافة وشعبًا. في الولايات المتحدة، أغضب لاعب كرة القدم الأميركية، كولين كابرنيك، كثيرًا من الأميركيين، وغيرهم، بسبب رفضه الوقوف احترامًا للنشيد الوطني الأميركي، تحية لـ«الراية المرصعة بالنجوم»، لأنه، كما قال، يعترض على عدم العدل تجاه الأميركيين السود. غضب عليه حتى بعض «المتفهمين» لنبل قصده، من قدامى نجوم اللعبة، باعتبار الأسلوب الذي اختار أن يعبر به عن موقفه إهانة للوطن نفسه. في السعودية، انتشرت صورة لأحد مشاهير التيار الإخواني، بمناسبة رسمية، يجلس على كرسيه، بينما الكل يقف أثناء عزف السلام الوطني بـ«سارعي للمجد والعلياء». يفتح هذا الأمر على مشكلة عميقة في الإيمان بفكرة الوطن، ومفهوم المواطنة، وتوقير الرموز الدالة على الوطن والانتماء: العلم، والنشيد، والقادة، والتاريخ. في حالة اللاعب الأميركي كان الدافع، كما قال، من منطلق حقوقي، لا علاقة له بالتفسير الديني، لكن في حالة السعودي الإخواني، من الواضح أن ثمة مزيجًا من الدافع السياسي مع الديني، حسب منظوره. بذكر الدافع الديني، يحسن هنا تذكر بعض الحالات التي مرت بنا بالسياق العربي، فقد تعددت الصور المستفزة لبعض المنتمين للجماعات الدينية المسيسة، مثلاً: في الجزائر، قرّر وزير الشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله، بوقت سابق، توقيف ومحاسبة خمسة أئمة مساجد رفضوا الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني. وتكرر الأمر مع طلبة مهندسين بمركز تدريب شركة «سونلغاز» لذات الدافع. في مصر استفز أعضاء من حزب النور الغضب بعدم وقوفهم للنشيد الوطني، في لجنة الخمسين التي وضعت الدستور! ومن مشاهير المصريين الذين لم يقفوا للنشيد الوطني، الداعية ياسر برهامي، ليصدر الرئيس المصري المؤقت، حينها، القاضي عدلي منصور، مرسومًا باعتبار عدم احترام العلم المصري أو عدم الوقوف للنشيد الوطني جريمة تستوجب العقوبة. في الكويت، أشهر مثال، هو النائب محمد هايف، أحد نجوم الدعاة البرلمانيين، الذي لم يقف للسلام الكويتي. فهوجم ودافع عن نفسه حينها. من الأمانة والصراحة أن نشير إلى أن هذه التصرفات ليست وليدة اجتهاد فردي من هؤلاء، من الجزائر لمصر للسعودية للكويت، فثمة فتاوى واضحة، من قبل من يعتقد فيهم القدوة، بتحريم الوقوف للعلم الوطني، والنشيد. من هنا يكون النقاش الحقيقي، هو في فض الاشتباك بين الوهم والحقيقة، بين مفهوم الأمة ومفهوم الوطن، بين ثقافة القانون والمواطنة، ونقيض هذه الثقافة، الذي ما زال هو الحاكم على عقل الكثير. وهذا حديث المقال المقبل.